للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما كانَ سببَ هذا التَّأويلِ زعمُهم الفاسدُ في العَدْلِ، وأنَّ الله لا يظلمُ أحداً، فلا يُتصوَّرُ أن يُضِلَّه، وإلاَّ كانَ ذلكَ قبيحاً منه، واللهُ مُنَزَّهٌ عن فِعْلِ القبيحِ، وهذا الكلام صحيح، ولكن المرادَ بالقبيحِ وتحديدُه هو الذي يخالَفُ فيه هؤلاء.

وقد ردَّ عليهم هذا التَّأويلَ جماعةٌ من العلماءِ؛ كابنِ قتيبة (ت:٢٧٦) (١)، والأشعريِّ (ت:٣٢٤) (٢)، وابنِ حَزْمٍ (ت:٤٥٨) (٣)، وابنِ القيِّمِ (ت:٧٥١) (٤)، وغيرهم.

ومن الرُّدُودِ عليهم في قولهم في دلالة صيغة «أفعل» ما يأتي:

* قال ابن قتيبة (ت:٢٧٦)، فقال: «وذهبَ أهلُ القَدَرِ في قولِ الله عزّ وجل: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: ٩٣، فاطر: ٨] إلى أنه على جهةِ التَّسميةِ والحكمِ عليهم بالضلالةِ، ولهم بالهدايةِ.

وقالَ فريقٌ منهم: يُضِلُّهُم: ينسبُهم إلى الضلالةِ، ويهديهم: يبينُ لهم ويرشدُهم.

فخالفُوا بينَ الحُكْمَينِ، ونحن لا نعرفُ في اللُّغةِ أفْعَلْتُ الرَّجلَ: نَسَبْتُهُ.


= وقد ذكر المرتضى أحد وجوه تفسير قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ...} [الأعراف: ١٤٦]، فقال: «وسادسها: أن يكون الصرف هاهنا الحكم والتسمية والشهادة، ومعلوم أن من شهد على غيره بالانصراف عن شيء جائز أن يقال: صرفه عنه، كما يقال: أكفره وكذَّبه وفسَّقه ...». أمالي الشريف المرتضى (١:٣١٢).
وفي نسخة مذكورة في الحاشية: «كفّره وكذّبه وفسَّقه». والصيغة مخالفة لصيغة اللفظ «أصرف» الذي يُفسِّرُه.
(١) الاختلاف في اللفظ (ص:١٤ - ١٥).
(٢) الإبانة، تحقيق: حماد الأنصاري (ص:١٩٢ - ١٩٤).
(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٣:٤٩ - ٥٠).
(٤) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص:١٤٤ - ١٤٨).

<<  <   >  >>