للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابنُ كثيرٍ (ت:٧٧٤): «فمنْ جعلَ {وَحَفَدَةً} متعلقاً بـ {أَزْوَاجُكُمْ}، فلا بدَّ أنْ يكونَ المرادُ الأولادَ، وأولادَ الأولادِ، والأصهارَ؛ لأنَّهم أزواجُ البناتِ، وأولادَ الزَّوجةَ؛ كما قال الشَّعْبِيُّ والضَّحَّاكُ، فإنهم غالباً يكونونُ تحتَ كَنَفِ الرَّجلِ وفي حِجْرِهِ وفي خِدْمَتِهِ» (١).

ومن ثَمَّ، فإنَّ من فسَّر الحَفَدَةَ: بالخَدَمَ أو غيرِهم منَ الأعوانِ الذينَ لا يكونونَ منْ طريقِ الزَّوجةِ، فإنَّ قولَهم فيه ضَعْفٌ بهذا السَّبَبِ، وقد بيَّن ذلك ابنُ زيدٍ (ت:١٨٢) بقوله: «ليسَ تكونُ العَبِيدُ مِنَ الأزواجِ، كيفَ يكونُ مِنْ زوجي عَبْدٌ؟!» (٢).

وعلى احتمال دخول الخَدَمِ والأعوانِ في مرادِ الآيةِ، تخريجان:

الأول: أنْ يحتاجَ إلى تقديرِ فِعْلٍ لقولِه: {وَحَفَدَةً}، ويكونُ المعنى: جَعَلَ لكم مِنْ أزواجِكم بنينَ، وجَعَلَ لكم حَفَدَةً، وتكونُ هذه الجملةُ منقطعةً عمَّا قبلها، لكي لا يُعْطَفَ على قولِه: {بَنِينَ}، إذْ إنَّ عَطْفَ المفردِ على المفردِ يجعلُهما يشتركانِ في كونِهما منَ الزَّوجةِ، وهذا لا يحتملُه النَّصُّ.

الثاني: أنْ يُعادَ قولُه تعالى: {بَنِينَ} على {أَزْوَاجِكُمْ}، وقوله: {وَحَفَدَةً} على {أَنْفُسَكُمْ}، وهذا فيه تكلُّفٌ ظاهرٌ.

وإذا خرج الخدم والأعوان من معنى اللَّفظِ في الآيةِ، فإنَّ مَنْ كانَ مِنْ طريقِ الزَّوجةِ، فهو داخلٌ في المعنى بنصِّ الآية، وبتَحقُّقِ معنى الخدمة فيه.

ولما لم يقمْ دليلٌ على تخصيصِ أحدِ هؤلاءِ دونَ غيرِه، فإنَّ النَّصَّ يشملُ من كان من طريقِ الزَّوجةِ على العموم، لأنهم ممن يشملُهم مَعَنى الحَفَدَةِ، وحمل الآيةِ عليهم لا يخالفُ نظمَ الآيةِ ولا سياقَها، واللهُ أعلمُ.

٤ - لا يعني هذا التَّرجيحُ في التَّفسيرِ ألاَّ يكونَ من معنى الحَفَدَةِ في اللُّغةِ: الأعوانُ والخدمُ، غيرَ أنَّ نَصَّ الآيةِ لا يَحْتَمِلُ دخولَهم فيها، أمَّا ثبوتُ هذا المعنى لغةً، فلا إشكالَ فيه، واللهُ أعلمُ.


(١) ينظر: تفسير ابن كثير، تحقيق: سامي السلامة (٤:٥٨٧).
(٢) تفسير الطبري، ط: الحلبي (١٤:١٤٦).

<<  <   >  >>