للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلتُ: وجائزٌ أنْ يكونَ أُعْرِبَ فقيلَ: إسرائيلُ، وإسماعيلُ؛ كقولِك: عبدُ اللهِ، وعُبَيدُ اللهِ» (١).

والمقصودُ أنَّ ما ذكرَهُ السَّلفُ منْ تفسيرِ الإلِّ بهذه المعاني، فإنَّه يقبلُ عنهم ولا يُردُّ، وكان هذا مِمَّا يتميَّزُ به الطَّبريُّ (ت:٣١٠)، حيث قال: «وأولى الأقوالِ في ذلكَ بالصَّوابِ أنْ يقالَ: إنَّ اللهَ ـ تعالى ذِكْرُه ـ أخبرَ عنْ هؤلاءِ المشركينَ الَّذينَ أمرَ نبيَّه والمؤمنينَ بقتلِهم بعدَ انسلاخِ الأشهرِ الحُرُمِ، وحَصْرِهم، والقعودِ لهم على كلِّ مرصدٍ: أنهم لو ظهروا على المؤمنين لم يرقبوا فيهم إلًّا.

والإلُّ: اسم يشتملُ على معانٍ ثلاثةٍ، وهي: العَهْدُ والعَقْدُ والحِلْفُ، والقَرَابَةُ، وهو أيضاً بمعنى: الله. فإذا كانتِ الكلمةُ تشملُ هذه المعاني الثلاثةَ، ولم يكنِ اللهُ خَصَّ من ذلك معنًى دونَ معنًى، فالصَّوابُ أنْ يُعَمَّ ذلكَ كما عَمَّ بها ـ جلَّ ثناؤه ـ معانيَها الثلاثَة، فيقالُ: لا يرقبونَ في مؤمنٍ اللهَ ولا قرابةً ولا عهداً ولا ميثاقاً ...» (٢).

وهذا الذي عَمِلَ به الطَّبريُّ (ت:٣١٠) هو الأصلُ في التَّعامُلِ مع ما يَرِدُ عنِ السَّلفِ من التفسيراتِ اللُّغويَّةِ المحتملةِ في الآيةِ، واللهُ أعلمُ.

هذا، ويجوزُ في مثلِ هذه المحتملاتِ في بعضِ الأمثلةِ تقديمُ بعضِها على بعضٍ لأسبابٍ تدعو إلى ذلك؛ كأنْ يكونَ السِّياقُ أليقَ بأحدِ هذه


=
والمقصود أنَّ اللغات كانت تتقارضُ من بعضها، ولا يبعد أن يكون الإلُّ مما كان في لغات العرب القديمة التي اندثرت، فلم يبق منها إلاَّ بعض الألفاظِ التي كثرت في العبرية، وقلَّت في العربية التي تطورت حتى اكتملت في عصر التنْزيل، وصارت محفوظةً بقوانينها وأحكامها الخاصَّةِ بها، والظَّنُّ أنه لو لم ينْزل القرآن لبقيت في التطوُّر والزيادة والنقص، كما هو الحالُ في اللغات، إذ تسمية الأشياء المحدثة، والتعبير عنها يكون وليدَ حدوثها، واللهُ أعلمُ.
(١) تهذيب اللغة (١٥:٤٣٦).
(٢) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١٤:١٤٨).

<<  <   >  >>