للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ردَّ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ (ت:٧٢٨)، على تفسيرِهم للأفولِ، فقالَ: «... الوجهُ الثَّالثُ: أنَّ الأُفُولَ هو المَغِيبُ والاحْتِجابُ، ليسَ هو مجرَّدَ الحركةِ والانتقالِ، ولا يقولُ أَحَدٌ ـ لا من أهلِ اللُّغةِ ولا من أهلِ التَّفسيرِ ـ: إنَّ الشمسَ والقمرَ في حَالِ مسيرِهما في السَّماءِ، إنهما آفلانِ، ولا يقولُ للكواكب المرئيَّةِ في السَّماءِ في حالِ ظهورِها وجريانِها: إنها آفلةٌ، ولا يقولُ عاقلٌ لكلِّ مَنْ مَشَى وسَافَرَ وطَارَ: إنه آفِلٌ.

الوجهُ الرَّابعُ: أنَّ هذا القولَ الذي قَالُوه لمْ يَقُلْهُ أحدٌ من علماءِ السَّلفِ أهلِ التَّفسيرِ، ولا من أهلِ اللُّغةِ، بل هو منَ التَّفسيراتِ المُبْتَدَعَةِ في الإسلامِ، كما ذَكَرَ ذلكَ عثمانُ بنُ سعيدٍ الدَّارِمِيُّ (١) وغيرُه من علماءِ السُّنَّةِ، وبَيَّنُوا أنَّ هذا منَ التَّفسيرِ المُبْتَدَعِ.

وبِسَبَبِ هذا الابتداعِ أخذَ ابنُ سِينَا (٢) وأمثالُه لفظَ الأفولِ بمعنى الإمكانِ كما قال في إشاراتِه: قال قومٌ: إنَّ هذا الشَّيءَ المحسوسَ موجودٌ لذاتِه واجبٌ لنفسه، لكنْ إذا تذكرتَ ما قيلَ في شرطِ واجبِ الوجودِ لم تجدْ هذا المحسوسَ واجباً، وتَلَوتَ قوله تعالى: {لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام: ٧٦]، فإنَّ الهُوِيَّ في حَظِيرَةِ الإمكانِ أُفُولٌ (٣). فهذا قولُه.

ومنَ المعلومِ بالضَّرورِة من لغةِ العربِ أنهم لا يُسَمُّونَ كلَّ مخلوقٍ موجودٍ آفِلاً، ولا كُلَّ موجودٍ بغيرِهِ آفِلاً، ولا كُلَّ موجودٍ يَجِبُ وجودُهُ بغيرِهِ لا بنفسِهِ آفِلاً، ولا ما كانَ من هذه المعاني التي يَعْنِيهَا هؤلاءِ بلفظِ الإمكانِ،


(١) ينظر رده على بشر المريسي (ص:٥٥).
(٢) الحسين بن عبد الله بن الحسن، أبو علي، المعروف بالشيخ الرئيس، فيلسوف، طبيب، كان أهل بيته من الإسماعيلية، له آثارٌ كثيرةٌ في الطبِّ والفلسفة والمنطق؛ ككتاب القانون، وكتاب الشفاء، وغيرها. توفي سنة (٤٢٨). ينظر: عيون الإنباء في طبقات الأطباء (ص:٤٣٧ - ٤٥٩)، سير أعلام النبلاء (١٧:٥٣١ - ٥٣٦).
(٣) الإشارات والتنبيهات، لابن سينا (٣:٥٣١ - ٥٣٢).

<<  <   >  >>