للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل هذا أعظمُ افتراء على القرآنِ واللُّغةِ منْ تسميةِ كلِّ متحركٍ آفِلاً. ولو كانَ الخليلُ أرادَ بقولِه: {لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام: ٧٦] هذا المعنى، لم ينتظرْ مغيبَ الكوكبِ والشَّمسِ والقَمَرِ، فَفَسَادُ قولِ هؤلاءِ المتفلسفةِ في الاستدلالِ بالآيةِ أظهرُ منْ فسادِ قولِ أولئكَ.

وأعجبُ من هذا قولُ مَنْ قالَ في تفسيرِهِ: إن هذا قولُ المحققينَ (١).

واستعارتُهُ لفظَ «الهُوِيِّ، والحَظِيرَةِ» لا يوجبُ تبديلَ اللُّغةِ المعروفةِ في معنى الأفولِ، فإنْ وَضَعَ هو لنفسِهِ وَضْعاً آخرَ، فليسَ له أنْ يتلوَ عليه كتابَ اللهِ تعالى فيبدِّله ويحرِّفهُ» (٢).

* ومن أمثلةِ تفسيرِ القرآن بمصطلحاتِ العلمِ التَّجريبيِّ، الذي فُتِنَ به كثيرونَ، فصاروا يُجهِدونَ أنفسَهم في التوفيقِ بين ما في هذه العلوم التَّجريبيَّةِ الحديثةِ وبين نصوصِ القرآن، وقد أتوا في كثيرٍ من الأحيانِ بالطَّوامِّ، ولَيِّ أعناقِ النصوصِ إلى هذه العلومِ؛ كأنها هي الأصلُ، والقرآن تبعٌ لها، ومن أمثلةِ ذلك:

يقول الشَّيخ أحمد محيي الدِّين العجوز ـ في كتابه (معالم القرآن في عوالم الأكوان) تحت عنوانِ: «حقيقة الذَّرَّةِ وطاقتها» ـ:

«وقال العلماءُ قديماً: أنَّ الجوهرَ الفردَ (الذَّرَّةَ) لا يتجزَّأ (٣)، ولا يمكنُ له ذلكَ. بيدَ أنَّ علماء الذَّرَّةِ في عصرنا الحديثِ توصَّلوا إلى تجزئةِ الذَّرَّةِ،


(١) هو الرازي، وقد قال في تفسيره (١٣:٤٣): «وأيضاً قال بعضُ المحقِّقينَ: الْهُوِيُّ في خطرة (كذا) الإمكانِ أفولٌ».
(٢) درء تعارض العقل والنقل (١:٣١٣ - ٣١٥). وقد نقل بعد هذا تفسير القرامطة والباطنية للكوكب والشمس والقمر، وهو من جنس هذا الذي ذكرته في تفسير الأفول عند المبتدعة.
(٣) الجوهر الفرد: هو الجزء الذي لا يتجزَّأ، وهو لا شكل له، ولا يشبهه شيء من الأشكالِ.
ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي، تحقيق: لطيف بديع (١:٢٩٠ - ٢٩١).

<<  <   >  >>