للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما لا يجوزُ لأحدٍ أنْ يَحكُمَ به على كتابِ اللهِ عزّ وجل لو لم يجد له مذهباً؛ لأنَّ الشَّعراءَ تقلبُ اللَّفظَ، وتُزيلُ الكلامَ على الغلطِ، أو على طريقِ الضَّرورةِ للقافيةِ، أو لاستقامةِ وزنِ البيتِ، فمن ذلك قولُ لبيد (١):

نَحْنُ بَنُو أُمِّ البَنِينَ الأرْبَعة ... ......

قال ابن الكلبي (٢): هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة ...» (٣).

* وفي قوله تعالى: {إِنْ نَشَا نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: ٤] قال الزَّجَّاج (ت:٣١١): «وذكر بعضهم وجهاً آخرَ، قالوا: فظلَّتْ أعناقُهم لها خاضعينَ هم، وأضمر «هم»، وأنشدَ (٤):

تَرَى أرْبَاقَهُمْ مُتَقَلِّدِيهَا ... إذَا صَدِئَ الحَدِيدُ عَلَى الحُمَاةِ

وهذا لا يجوزُ في القرآنِ، وهو على بدلِ الغلطِ يجوزُ في الشِّعرِ؛ كأنَّه قالَ: يرى أرباقَهم يرى متقلديها؛ كأنَّه قال: يرى قوماً متقلِّدينَ أرباقَهم، فلو كان على حذفِ «هم»، لكانَ مما يجوزُ في الشِّعرِ أيضاً» (٥).

والواجبُ في حملِ القرآنِ على أساليب العرب = أخذُ الحيطةِ، وعدمُ العجلةِ في ذلكَ؛ لأنَّه قد يَحْمِلُ البلاغيُّ ما جاءَ في القرآنِ على الأساليبِ


(١) البيت في ديوانه بشرح الطوسي، تحقيق: حنا نصر (ص:١٠٩). وقد سبق ذكر هذا البيت عند الحديث عن معاني القرآن للفراء في مصادر التفسير اللغوي.
(٢) هشام بن محمد بن السائب، أبو المنذر الكلبي، النَّسَّابة، أخذ عن أبيه المفسِّرِ، وعن غيرِه، وحدَّث عنه محمد بن سعد صاحب الطبقات وغيره، كان صاحب نسبٍ وسَمَرٍ، ليس بثقةٍ في الحديثِ، له كتابُ في أنساب العربِ، مات سنة (٢٠٤). ينظر: تاريخ بغداد (١٤:٤٥ - ٤٦)، ولسان الميزان (٤:٣٠٤ - ٣٠٥).
(٣) تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر (ص:١٩٨ - ٢٠٥) بتصرف، وقد أجاب عن كلِّ آيةٍ ذكرها، بما لا يصلح معه ادعاءُ القلبِ.
(٤) البيت للفرزدق، وقد مضى تخريجه، ينظر (ص:٣٤٣)، وفيه «الكماة» بدل «الحماة».
(٥) معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (٤:٨٣).

<<  <   >  >>