ومنع نفسه من الإمساك عن افرض وسارع إلى أدائه. والذي يترك أربعة أشياء: اثنان يجب تركهما:
أحدهما: يتعلق بأفعال القلوب، وهو ما نهى الله عز وجل عنه من العقد بالقلب على الضلال، والبدع، والغلو في القول عليه بغير الحق، ولا يعتقد إلا الصواب.
والثاني: من أفعال الجوارح، وهو ما حرم الله سبحانه عليه من الأخذ والترك.
وأما الثالث: فهو ترك الشبهات خوف مواقعة الحرام، وهو لا يعلم، استبراء للدين، لتمام الورع كما تقدم في الحديث.
وأما الرابع: فترك بعض الحلال الذي يخاف أن يكون سببًا وذريعة إلى الحرام كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يكون العبد من المتقين حتى يدع ما لا باس به حذرًا لما به بأس".
قال بعض العلماء: وذلك تركه فضول الكلام، لئلا يخرجه ذلك إلى الكذب والغيبة وغيرهما مما حرم الله تعالى، ويترك بعض المكاسب مما تقل فيه السلامة للمكتسبين، ويدع طلب الإكثار من المال خوف أن لا يقوم بحق الله عز وجل فيه.
قال غيره: وترك مجالسة من قد جرب أنه لا يسلم معه، ويقل من معرفة الناس خوفًا أن لا يسلم، ويكف عن بعض المطعم إذا أحس من نفسه أن ذلك يبطرها، ويدع أن يحلف صادقًا، وهو له حلال، مخافة أن يعود لسانه اليمين فيحلف كاذبًا، ويدع النصرة ممن ظلمه مخافة أن يعتدي، فما زال التقوى بالمتقين حتى تركوا (الكثير) من الحلال مخافة الحرام.
المسألة الثانية: في بيان وجوب تصفية القوت وطريق الاجتهاد فيه.
أما الأول فقال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدوس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يآيها الرسل قلوا من الطيبت واعملوا صلحًا إن بما تعملون عليم). وقال تعالى:(يأيها الذين ءامنوا انفقوا من طيبت ما كسبتم). قال سحنون: الطيب هو الحلال.
قال أبو عبد الله: واعلم أن عماد الدين وقوامه هو طيب المطعم، فمن طاب (مكسبه) زكا عمله، ومن لم يصحح في طيب مكسبه خيف عليه أن لا تقبل صلاته وصيامه وحجه