للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنهم بنو حارثة. وهي إحدى الطائفتين اللتين همتا أن تفشلا يوم أحد - إذ قالوا: (إن بيوتنا عورة وليس دار من دور الأنصار مثل دارنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا فنمنع ذرارينا ونساءنا، فأذن لهم - صلى الله عليه وسلم - فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال: يا رسول الله لا تأذن لهم إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة إلا صنعوا هكذا (١)).

ويتحدث القرآن عن جبنهم وهلعهم في أربع آيات تؤكد المعنى الذي ذكره سعد بن معاذ رضي الله عنه فهم يريدون الفرار من المعركة، ولو وطىء العدو أرضهم لأجابوه للفتنة عن دينهم والتخلي عن عقيدتهم، ولا أدل على ذلك من خوفهم من الموت أن يجتاحهم في أرض المعركة وكأنما هم بمنجاة منه في غيرها، وتزعزع عقيدتهم ووهنها هو الذي يدفعهم إلى هذا الموقف. لأن الضر والنفع بيد الله عز وجل وحده، والفرار لن يحول بينهم وبين الموت أو القتل. والمؤمن الصادق يوقن بأن النصر بيد الله، والنفع والضر بيد الله، والموت والحياة بيد الله. وهؤلاء المنافقون ليسوا من هذا الطراز.

٣ - الفريق الثالث: هم المعوقون الذين كانوا يخذلون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتابعون في جحورهم في المدينة. وهم جبناء مثل أسلافهم، لكنهم لخذلانهم وتخاذلهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبح مهوى قلبهم مع العدو. وكان الوصف دقيقا ولاذعا لهم {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك كالذي بغشى عليه من الموت}. طارت قلوبهم من صدورهم رعبا، وهؤلاء حكم القرآن عليهم أنهم غير مؤمنين {أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله - صلى الله عليه وسلم -سيرا}. وهم على استعداد أن يتركوا المدينة ومن فيها إذا حاق الخوف واشتدت المصيبة. وأمام هذه النماذج الثلاثة نلحظ أن مواصفاتهم هي التي تستغرقها الآيات في الوصف، أما حجمهم فهو ضئيل، رغم أن الفرصة مواتية لبروزهم من أوكارهم، خاصة حين اشتدت المحنة، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. إن المشكلة ليست هي الخوف، فالمؤمنون يخافون، إنما المشكلة هي بواعث الخوف ونتائجه. وارتباط ذلك بالإيمان وعدمه.


(١) إمتاع الأسماع للمقريزي ص ٢٢٩ ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>