إن المحنة هي التي تمحص القلوب، وتكشف ما في الصدور من إيمان أو نفاق أو كفر وقد يتزلزل المؤمن لكنه لا يفقد إيمانه، قد يفقد موقفه، وقد يفقد شجاعته وثباته، لكن إيمانه لا يتزلزل أبدا. أما ضعيف الإيمان فينهار إيمانه أمام الحادثات، وأما الكافر المتجلبب بجلباب الإسلام حين يكشف الغطاء، ويرى أن دولة الإيمان على وشك الزوال يكشف خبيثة نفسه، ويظهر نتن قلبه، ويعلن شكه بربه، وهؤلاء لم يؤمنوا، وبالتالي فأحبط الله أعمالهم في الدارين.
ز - المنافقون يوم بني المصطلق
انتصر المسلمون بعد الخندق، وأنهوا وجود بني قريظة. وبالتالي انتهى حلفاء المنافقين في المدينة. فلم يعد أمامهم إلا أن يسارعوا بالولاء للقيادة المسلمة، وأن يوجهوا جهدهم لخلخلة الصف المسلم نفسه، والعمل على تشتيته، وإشغاله بنفسه بدل أن ينشغل بعدوه، وتظاهروا بالانصهار في هذا الصف، وإن كان بعضهم قد دخل فيه عن قناعة بعد أن بهره نصر الله، ورأى من الآيات البينات ما يحرق كل شك أو دخل في قلبه، وكان ابن أبي كالحية الرقطاء يكمن بين الحجارة وخلف الأستار ينتظر الفرصة المواتية للانقضاض، وكان هذا يوم بني المصطلق. ولنر تفصيل ذلك لدى المقريزي: (وبينا المسلمون على ماء المريسيع إذ أقبل سنان بن وبر الجهني - حليف الأنصار - ومعه فتيان من بني سالم يستقون وعلى الماء جمع من المهاجرين والأنصار، فأدلى دلوه، وأدلى جهجاه - الغفاري - أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه - دلوه فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه وتنازعا، فضرب جهجاه سنانا فسال الدم فنادى يا للخزرج، وثارت الرجال فهرب جهجاه وجعل ينادي في العسكر: يا لقريش، يا لكنانة، فأقبلت قريش وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح حتى كادت تكون فتنة عظيمة فقام رجل في الصلح فترك سنان حقه.
وكان عبد الله بن أبي جالسا في عشرة من المنافقين فغضب وقال: والله ما رأيت كاليوم مذلة، والله إن كنت لكارها لوجهي هذا، ولكن قومي قد