قال: فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت فهو الأذل وأنت الأعز. يا رسول الله! ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز، ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه فما يرى إلا قد سلبته ملكه. وبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير من يومه ذلك، وزيد بن أرقم يعارضه براحلته يريد وجهه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحث راحلته فهو يغذ في المسير - إذ نزل عليه الوحي فسري عنه. فأخذ بأذن زيد بن أرقم حتى ارتفع من مقعده عن راحلته وهو يقول: وفت أذنك يا غلام، وصدق الله حديثك! ونزل في ابن أبي {إذا جاءك المنانقون} السورة كلها.
وكان عبادة بن الصامت قبل ذلك قال لابن أبي: إيت رسول الله يستغفر لك فلوى رأسه معرضا، فقال له عبادة: والله لينزلن في لي رأسك قرآن يصلى به. ومر عبادة بن الصامت بابن أبي - عشية راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المريسيع، وقد نزل فيه القرآن، فلم يسلم عليه، ثم مر أوس بن خولي فلم يسلم عليه، فقال: إن هذا الأمر قد تمالأتما عليه. فرجعا إليه فأنباه وبكتاه بما صنع، وبما نزل من القرآن إكذابا لحديثه، فقال: لا أعود أبدا.
وجاء ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي فقال: يا رسول الله، إن كنت تريد أن تقتل أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فوالله لأحملن إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر بوالده مني، وإني لأخشى يا رسول الله - أن تأمر غيري فيقتله. فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النار، وعفوك أفضل، ومنك أعظم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أردت قتله، وما أمرت به، ولنحسن صحبته ما كان بين أظهرنا. فقال يا رسول الله! إن أبي كانت هذه البحيرة قد اتسقوا عليه ليتوجوه، فجاء الله بك فوضعه ورفعنا بك. ومعه قوم يطيفون به يذكرونه أمورا قد غلب الله عليها (١)).
١ - حين تظهر الطبيعة العربية عارية في سرعة غضبها وانفعالها، تظهر بجوارها عظمة هذا الدين في ضبطها وكبح جماحها، وهذا ها نراه من خلال