أسباب فتنة النفاق هذه. فاختلاف الدلاء البسيط يقود إلى التنازع، ومن التنازع اللفظي إلى التشاجر والتشابك بالأيدي إذ يضرب جهجاه سنانا فيتفجر منه الدم، وجرح سنان يدفع إلى الجاهلية الجهلاء. فينادي سنان قومه الخزرج، ويستصرخ جهجاه المهاجرين، ويثور القوم للسلاح حتى كادت تكون فتنة عظيمة.
هذا هو الخلق العربي عاريا في سرعة انفعاله وغضبه. كان من الممكن لهذه الفتنة بغير الإسلام أن تعيد أمثال يوم بعاث بين الأوس والخزرج، وأن تبيد أيام داحس والغبراء أو يوم حليمة ويوم البسوس. فيفني القبائل بعضها بعضا في شهور أو سنين أو عقود من السنين. كان هذا الشجار كافيا لحرب ضروس تأكل الأنصار والمهاجرين، ونصل من هذه الملاحظة إلى أنه لا غرابة أن تتحرك في المجتمع الإسلامي أو في الحركة الإسلامية نوازع الجاهلية ونزعاتها وتثور بعد كمون طويل. فلقد تحركت هذه العصبية لأول مرة على هذا المستوى نتيجة إثارة طائشة. وذلك في أفضل مجتمعات الأرض، وليس صفنا أفضل من هذا المجتمع وهو خريج مدرسة النبوة، وهو الأمة التي أخرجت للناس خير أمة، وليست قيادتنا تعادل غبارا على قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهو بين ظهرانيهم، وتتحرك الفتنة إلى درجة أن يحمل الفريقان السلاح للمواجهة. وكم نتمنى أن تستوعب الحركة الإسلامية والصف المسلم هذا المعنى، أن لا تحبط الأخطاء والخلافات أمانينا فنيأس حين نجد مثل هذه الظاهرة. وأن تصل الظاهرة إلى حد حمل السلاح في داخل الصف المسلم ضد بعضه بعضا.
٢ - لكن الفارق الكبير نلحظه باستمرار هذه الظاهرة أو اختفائها. فلقد استطاع الصف الإسلامي الأول أن يتلافى هذه الظاهرة مباشرة وبأقوى ما يكون فيمشي رجل من المسلمين بالصلح بين الفريقين. ويتخلى سنان عن حقه، وتحبط الفتنة في مهدها. وهذا ما نريد أن نؤكده لنقتدي به. فلا غرابة أن نخطىء، ولا غرابة أن نزل، لكن الغرابة كل الغرابة، والجفوة كل الجفوة للمنهج الإسلامي هو أن يستمر الخطأ، ويستفحل. فعندئذ نكون أقرب