للمجتمع الجاهلي منا إلى المجتمع الإسلامي، وأن نعجز عن إيجاد حلول تنهي المعركة في الصف الإسلامي وتجتث جذور الخلاف (١).
٣ - وهنا يبرز دور النفاق الخطير في المجتمع الإسلامي. فعبد الله بن أبي يجد الفرصة سانحة ولن تتكرر له هذه الفرصة الذهبية مرة ثانية في تدمير هذه الجماعة المسلمة ليقوم على أنقاضها، وها هو يهتبل هذه الفرصة فيعبر عما في نفسه، ولكن أين؟ في عشرة من المنافقين، يطمئن إلى نفاقهم، ويطمئن إلى استعدادهم لقبول أفكاره وتنفيذ مخططاته.
لقد وجدناه في أحد يفصل ثلث الجيش ويشكك في البقية الباقية من اتباعه فوق هذا الثلث، وهو قمة مجده ثم بدأ ينحسر هذا المجد. فيعجز عن نصر حلفائه في بني النضير، ولا يتجاوز دوره التشكيك في النصر وإمكانياته في الخندق، أما اليوم فيبث حديثه في عشرة من أتباعه. ويتحدث عن كل ما يعانيه من بغض للإسلام وأهله ولا يتورع أن يشبههم بالكلاب المسمنة على مائدة الخزرج، ويدعو صراحة إلى تمزيق الصف،. والثورة على القيادة: بل يهدد بهذه الثورة التي بدت ملامحها وذرت قرونها عند العودة إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
ولا بد لنا من الوقوف عند هذه المعاني. فظهورها في الصف المسلم الواحد تعني أن سمات النفاق متمثلة في دعاتها. التهديد بتمزيق الصف، والثورة على القيادة والطعن فيها وبصلاحيتها. خاصة وهي منطلقة من أسس شرعية. متينة يعنى أن هذا الخط هو خط النفاق سواء أشعر صاحبه أم لم يشعر. وكما يقول عليه الصلاة والسلام في أدنى من ذلك: يقول في الخلق الشخصي: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن
(١) قد يقع أن يستمر الخلاف والدماء في الصف الإسلامي الواحد سنين طوالا، كما جرى في فتنة عثمان رضي الله عنه وفي معركة الجمل وصفين. لكننا لا بد أن نلاحظ أن مثل هذا الخلاف والقتال قد يقع بهذه الشدة وهذا العنف والمسلمون متمكنون في الأرض، ولم يحدث أن استمر مثل هذا الخلاف في الجيل الإسلامي الأول بهذه الصورة والمسلمون ضعاف يتخطفهم العدو من كل جانب.