للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الاتجاه لدى زعيمين من زعماء المدينة هما أسيد بن حضير سيد الأوس - إذ كان سعد بن معاذ قد قضى شهيدا في الخندق - وسعد بن عبادة (١) سيد الخزرج إذ عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمر عليهما كل على حدة، وكان جوابهما واحدا في هذا الأمر، فقال أسيد بن حضير: (.. فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه يرى أنك استلبته ملكا، وكان جواب سعد بن عبادة رضي الله عنه: (... فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت فهو الأذل وأنت الأعز، يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ما بقيث عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه، فما يرى إلا قد سلبته ملكه. ولقد اندفع بعض أفراد هذا الاتجاه إلى تصديق عبد الله بن أبي بعد يمينه، وإلى تكذيب زيد بن أرقم الغلام المؤمن. فيذكر المباركفوري عن البخاري رواية فيها: (أما ابن أبي فلما علم أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به، وقال من حضر من الأنصار: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل (٢)). ونلاحظ هنا أن تمالؤ مجموعة من الأفراد في الصف على موقف قد يؤدي إلى تغيير الواقع. لكننا نلاحظ أن أبعد مدى وصل إليه عبد الله بن أبي في الصف المسلم أن يوجد من يبرر له كلمته بدافع رغبته بالملك، أو يوجد من يصدقه ويكذب غلاما حدثا ليس معه شاهد آخر على كلامه، ومع هذا فنحن نعتبر أن هذا الموقف ليزيد القناعة بقوة هذا الصف وتراصه، فأن تصل الثقة لدى أفراد هذا الصف بغلام فيه، فوق الثقة بزعيم كبير من زعماء النفاق فهو دلالة واضحة على تعري النفاق والمنافقين فيه، وأن يقتصر الأمر على أفراد في هذا


(١) عند المقريزي أن سعد بن عبادة هو الذي لقيه. وعند ابن هشام أن أسيد بن حضير هو الذي لقيه، ومن المحتمل أن تكون المحادثتان معا لخطورة الأمر ولحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على معرفة، رأى جميع قيادات الأنصار في هذا الموقف.
(٢) ابن هشام ج ٣/ ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>