الصف على توقع الوهم من الغلام لا الاختلاف. فهو مستوى رفيع ولا شك في تلاحم هذا الصف، وارتفاع الثقة فيه، وفضح المشبوهين فيه.
٧ - ونقف كذلك عند جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وهو أمر أقرب ما نسميه في المصطلح الإسلامي بالسياسة الشرعية. وما أحوج الجنود في الصف إلى فقه هذا الموقف.
فكثيرا ما يندفع الشباب المتحمسون في الصف في النقد العنيف للقيادة حيث تستعمل الحكمة والتؤدة في معالجة الشاذين في الصف والمتمردين عليه، خاصة إذا كانت الأغلبية في مركز أو تجمع تدين بآراء هؤلاء. وتصبح القيادة بين نارين، نار المتحمسين الذين يأخذون على القيادة تهاونها، ونار الأعداء من الداخل الذين يتربصون الدوائر بهذه الجماعة لينزلوا بها كيدهم فلا الشباب في الداخل يعذرونها ولا الأعداء في الخارج يرحمونها. إننا لا نتصور موقفا عدائيا للجماعة المسلمة أخطر من موقف عبد الله بن أبي، وأن مجرد (١) قناعته أن يخرج العزيز منها الذليل ويعني بها نفسه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فهو خلع لربقة الإسلام من عنقه وصار كافرا خالصا، وحكمه هو القتل. لكن ظاهر الأمر أنه من الصف، فالإقدام على قتله، والمعركة الدعائية على أشدها بين المسلمين والكافرين تجعل للكفار سبيلا كبيرا للتشهير بالمسلمين والنيل منهم وتشويه سمعتهم لدى الآخرين، وظاهر الأمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يخشى تأثير ابن أبي في هذه المرحلة، ومع أن الأمر لم يثبت عليه بعد، ومع أنه حلف أنه لم يقل هذا الكلام، فلم نر في الصف كله واحدا يقبل كلامه أو يقر به. إنما أقصى ما وصل التأثر به هو اعتبار زيد واهما في النقل، أو طلب الرأفة به لفقدانه الملك العضوض الذي فاته. ولا يوجد في ظاهر الأمر إلا هؤلاء العشرة من الصف كله قبلوا كلامه وسكتوا عليه، والمقصود في هذا التأكيد هو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رفض قتله، لم يكن بسبب خوف من تصدع الصف الداخلي عنده، ولم يكن خوفا من تأثيره في داخل صفه إنما كان