للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتعرض لمن ارتد أو تزعزع بأذى في مكة لأنه لا سلطان له في هذه الدولة. بينما رأيناه يقيم الحدود وينفذ الأحكام وهو الحاكم الأعلى في المدينة. والذين يفرون من المدينة مرتدين إلى سلطة أخرى لا تطالعهم يده فيها يدعهم وشأنهم إلى أن يكون قادرا على تنفيذ القصاص فيهم.

٨ - ولا بد من الإشارة كذلك لموقف سيدي الأنصار وهما يقولان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الحرز ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه. فما يرى إلا قد سلبته ملكه). فهذا الكلام وإن كان ظاهره يوحي طلب الرحمة بابن أبي. لكن حقيقته فضح للدوافع النفسية لهذا الموقف عنده.

إن حب الزعامة عنده هو الذي قاده إلى هذا الموقع، وإن فقدان الملك هو الذي جعله في موقع الحرب ضد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برغم ما رأى من الآيات البينات والدلائل الباهرات على صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهذا المرض الرهيب هو من أخطر الأمراض داخل الصف المسلم؟ مرض حب الزعامة والتنافس على السلطة وهذا المرض يقود في كثير من الأحيان إلى تدمير الجماعة المسلمة أو شق صفها على أقل تقدير. إن الفرق بيننا وبين الجاهليين هو أنهم يحتكمون إلى أعراف سياسية أو أعراف ديمقراطية فإذا خرجوا عليها فهو خروج على مبادىء صاغوها وجعلوا لها الحكم عليهم. أما الفئة المسلمة فالتزام الجماعة دين فيها، والسمع والطاعة للأمير فرض من فروضها، وقبول حكم الحاكم الشرعي بيعة من نكث فيها فإنما ينكث على نفسه. ومن أوليات الإسلام السمع والطاعة في المنشط والمكره ومن أوليات الإسلام السمع والطاعة ولو ولي عبد حبشي على المسلمين كان رأسه زبيبة ما أقام كتاب الله.

كما نشير في هذا الموقف كذلك إلى الغلالة الرقيقة التي يتستر وراءها الخارجون على الجماعة. هذه الغلالة هي مصلحة الجماعة نفسها والحرص عليها، ومحاولة التمييز في صفوفها، وفقدان العدل بين شبابها. لتظهر فيما بعد النوازع الدفينة وهي فقدان المركز الحساس لهذا الثائر. على جماعته، وفوت

<<  <  ج: ص:  >  >>