للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا سمعنا وعصينا، وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (١)}.

هذا الكفر البواح الذي وقفوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرفقوه بكثير من الدسائس والمؤامرات في الخفاء لتأجيج نار الفتنة بين المسلمين، كما فعل شاس بن قيس في تحريكه الفتنة بين الأوس والخزرج، وكما فعل بعض أحبار اليهود حين كان يستهزىء بآيات الله فلم يتمالك أبو بكر رضي الله عنه من ضربه، فأنزل الله تعالى آياته تدعو المؤمنين للصبر على أذاهم في قوله عز وجل: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (٢)}.

وكانت الجولة الثانية بعد بدر، حيث تحرك الغيظ في قلوب بني قينقاع ولا غرابة أن يكون الاحتكاك الأول معهم لأنهم كانوا (يسكنون داخل المدينة - في حي باسمهم - وكانوا صاغة وحدادين وصناع الظروف والأواني، ولأجل هذه الحرف كانت قد توفرت لكل رجل منهم آلات الحروب، وكان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة، وكانوا أشجع يهود المدينة، وكانوا أول من نكث العهد والميثاق مع اليهود (٣)). (فلما قدم من بدر بغت يهود وقطعت ما بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العهد فجمعهم بسوق بني قينقاع وقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يوقع الله بكم مثل وقعة قريش فوالله إنكم لتعلمون أني رسول الله؟ فقالوا: يا محمد لا يغرنك من لقيت، إنك قهرت قوما أغمارا، وإنا والله أصحاب الحرب ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا (٤)).

لقد كانت محاولة سلمية لعدم فتح جبهة مع يهود بني قينقاع، وفي هذه المحاولة كان الإنذار الخفي بالحرب، حتى لا يتجرؤوا على المسلمين


(١) الآيات ٨٩ - ٩٣ من سورة البقرة.
(٢) الآية ١٨٦ من سورة آل عمران.
(٣) الرحيق المختوم للمباركفوري ص ٢٦٤ و٢٦٥.
(٤) إمتاع الأسماع للمقريزى ج ١ ص ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>