ويأخذوهم بغتة، لكن الغرور قد أخذ مبلغه من اليهود وأصبحوا يبدون مظاهر العداوة للمسلمين (وتوسعوا في تحرشاتهم واستفزازاتهم فكانوا يثيرون الشغب، ويتعرضون للسخرية، ويواجهون بالأذى كل من ورد سوقهم من المسلمين حتى أخذوا يتعرضون بنسائهم). وأعلنوا في جوابهم بعد اللقاء المذكور أنهم مستعدون للحرب، بل يهددون فيها كذلك. ومع ذلك فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبر حتى لا يكون أول من نقض العهد، وأفهمهم بذلك اللقاء بالكلام اللين وبالكلام الخشن ما يدفعهم إلى أن يرعووا عن غيهم ولكن دون جدوى.
والحركة الإسلامية ثم الدولة الإسلامية بعد ذلك مطلوب منها أن تكون يقظة تمام اليقظة مع حلفائها. فطالما أن الخلاف الفكري قائم فهذا يعني أن هذا الحلف مؤقت، ويعني أن الحلف منطلق من مصلحة هذا الحليف. فليس له أسس متينة للاستمرار. والدعاة إلى الله لا يدعون فرصة مواتية ليذكروا بالتعهدات التي قدمها الحليف للحركة إلا ويستفيدوا منها. كما أنه لا يجوز أن يركنوا إلي الدعة طالما أن حليفهم قوي، قد يستغل الفرصة السانحة للانقضاض، وهذا الخطر الذي يحتمل أن تتعرض له الحركة الإسلامية في تحالفاتها مع أعدائها خاصة والعدو جاثم في الأرض، مستثن إلى قوة، فالوعي الحذر، والاعداد الدؤوب هو الأمر الواجب تنفيذه حتى لا يؤخذ المسلمون على غرة.
وكانت الحادثة التي فجرت الموقف حادثة المرأة المسلمة التي راودها اليهود عن كشف وجهها فأبت. فعمدوا ظهر ثوبها فانكشفت سوءتها عندما قامت، فاستغاثث. وكان مقتل اليهودي والمسلم. ولم يكن مقتل المسلم أمرا فرديا، فلقد كان تمالؤا عاما من اليهود وإعلانا بنبذ العهد منهم فلو كان حادثا فرديا لأمكن معالجته وقتل القاتل. لكن الملأ من يهود هم الذين اجترؤوا وقتلوا. فأنزل الله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين (١)}. فقال - صلى الله عليه وسلم - أنا أخاف بني قينقاع. فسار إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم السبت النصف من شوال بعد بدر ببضعة وعشرين يوما، وفهم