للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج خمسين رجلا من بطون قريش كلها وتحالفوا وتعاقدوا - وقد ألصقوا أكبادهم بالكعبة وهم بينها وبين أستارها - ألا يخذل بعضهم بعضا، ولتكون كلمتهم واحدة على محمد ما بقي منهم رجل. ثم قال أبو سفيان: يا معشر. يهود! أنتم أهل الكتاب الأول والعلم أخبرونا عما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أديننا خير أم دين محمد؟ فنحن عمار البيت، وننحر الكوم (١) ونسقي الحجيج ونعبد الأصنام!.

فقالت يهود: اللهم أنتم أولى بالحق منه؟ إنكم لتعظمون هذا البيت، وتقومون على السقاية، وتنحرون البدن، وتعبدون ما كان عليه آباؤكم، فأنتم أولى بالحق منه فأنزل الله تعالى في ذلك، {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (٢)). واتعدوا لوقت وقتوه، وخرجت يهود إلى غطفان، وجعلت لهم تمر خيبر سنة إن هم نصروهم وتجهزت قريش، وسيرت تدعو العرب إلى نصرها، وألبوا أحابيشهم (٣) ومن تبعهم وأتت يهود بني شليم فوعدوهم السير معهم.

وكان خروج بني النضير بأحقادهم وذلهم دافعا لهم على تغيير الحلف، الذي نقضوه ليكون حلفهم الجديد مع عدو محمد - صلى الله عليه وسلم - الأول قريش. وقد استطاعوا بنشاطهم السياسي أن يؤلبوا معظم العرب على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهم أقنعوا سليم وغطفان وقريش بحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وواقع الحركة الإسلامية اليوم لا بد من حربه مع اليهود عاجلا أو آجلا، والتعرف على التخطيط اليهودي الماكر في رغبته باستئصال شأفة المسلمين يفيدنا اليوم كثيرا في هذه المعركة. فبنو النضير الذين أحنوا رقابهم لفترة مؤقتة، سرعان ما اشتعل مرجل الحقد في قلويهم بعد الهزيمة، وراحوا


(١) الكوم جمع كوماء وهي الناقة المشرفة السنان العالية.
(٢) النساء / ٥١.
(٣) الأحابيش نسبة إلى جبل حبشي بأسفل مكة وهم بنو المصطلق وبنو الهون من هزيمة حلفاء قريش.

<<  <  ج: ص:  >  >>