يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل. جيش ربما يزيد عدده عن جميع من في المدينة من النساء والصبيان والشباب والشيوخ. ولو بلغت هذه الأحزاب المحزبة والجنود المجندة إلى أسوار المدينة بغتة لكانت أعظم خطر على كيان المسلمين مما يقاس، ربما تبلغ إلى استئصال الشأفة وإبادة الخضراء. وسارع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عقد مجلس استشاري أعلى، تناول فيه موضوع خطة الدفاع عن كيان المدينة، وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشورى اتفقوا على قرار قدمه الصحابي النبيل سلمان الفارسي رضي الله عنه. قال سلمان: يا رسول الله إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا - وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك. وأسرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تنفيذ هذه الخطة، فوكل إلى كل عشرة رجال أن يحفروا من الخندق أربعين ذراعا ....
وأخذ المشركون يدورون حول الخندق غضابا يتحسسون نقطة ضعيفة، لينحدروا منها، وأخذ المسلمون يتطلعون إلى جولات المشركين، يرشقونهم بالنبل حتى لا يجترئوا على الاقتراب منه، ولا يستطيعوا أن يقتحموه أو يهيلوا عليه التراب ليبنوا به طريقا يمكنهم من العبور. وقد حاول المشركون في بعض الأيام محاولة بليغة لاقتحام الخندق، أو لبناء الطريق فيها. ولكن المسلمين كافحوا مكافحة مجيدة، ورشقوهم بالنبل وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشركون في محاولتهم. ولأجل الاشتغال بمثل هذه المكافحة الشديدة فات بعض الصلوات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين .. وقد استاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفوات هذه الصلاة حتى دعا على المشركين. ففي البخاري .. أنه قال يوم الخندق: ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس. وفي مسند أحمد والشافعي أنهم حبسوه عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعا، قال النووي: وطريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أياما فكان هذا في بعض الأيام، وهذا في بعضها.
ومن هنا يؤخذ أن محاولة العبور من المشركين، والمكافحة المتواصلة من المسلمين دامت أياما، إلا أن الخندق لما كان حائلا بين الجيشين لم يجر بينهما