للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله - صلى الله عليه وسلم - حين أجلى الله الأحزاب، والآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم (١)) (٢).

تجمع هذه الأحداث التي استمرت سنتين متتاليتين خطوط عريضة تمثل طبيعة هذه المرحلة، وتوضح جوها العام.

الخط الأول: تدهور السمعة الضخمة التي ارتفعت للمسلمين بعد بدر. وكيف استطاع ثلاثمائة مقاتل أن ينتصروا على ألف مدججين بالسلاح، كما أعقب بدرا النصر على بني قينقاع. فالمسلمون مرفوضون في البيئة الوثنية، وهم منشقون عن قريش حامية الحرم، وجاؤوا بدين جديد، فما أن لاح للأعراب والقبائل المجاورة بوادر ضعف عند المسلمين حتى راحوا جميعا يتهيأون لغزو المدينة أو الندر بالمسلمين على طبيعة الأعراب في ذلك وطبيعة اليهود في ذلك، وإذا كان هذا البحر الزاخر من الأعداء هادئا قبل الهجوم كله، ولو كان أي شخصية غير نبي الله، أو عقيدة غير الإسلام، لانتهى وأصبح كأمس الدابر، لكنه الرسول والرسالة.

الخط الثاني: فلو نظرنا في كل تحركات المسلمين العسكرية، خلال هذه المرحلة لوجدناها تعتمد الهجوم كأقوى وسيلة من وسائل الدفاع. وهو هجوم مركز مدروس مخطط له مهمته أن يضرب العدو قبل أن يتحرك نحوه، ولم يكن خط فتح الجبهات كلها أو ضرب عدو هادىء هو المحرك لهذه العمليات. إنما كان الهدف منها إحباط التجمعات المضادة للإسلام، والتي تعد لغزوه. والمسلمون يحسبون في كل يوم حسابا جديدا يمكن أن ينقض عليهم من الشمال أو الجنوب أو الشرق.

وما أحوج الحركة الإسلامية اليوم وهي تخوض معركتها الشرسة ضد الطاغوت أن تقف هذا الموقف بعد المحنة العنيفة التي نزلت بها. فلا شك أن


(١) عن صحيح البخاري ٢/ ٥٩١.
(٢) أخذنا هذا التلخيص الجيد من العلامة المباركفوري من الصفحات ٣٢٥ - ٣٥١. فهو من أدق ما كتب في هذا الموضوع وأوثقه، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>