سأله بنوها عن القاتل، أكد لهم أنه قتلها، وسيقتلهم جميعا لو قالوا مثل قولها، وتحداهم:{ئكيدوني جميعا ثم لا تنظرون}.
وكان لهذا الموقف الصلب من الأثر والقوة أكبر من مقتل ابنة مروان. فلا بد أن يغدو الكفر صاغرا ذليلا أمام المؤمنين. وأنقذ رقاب إخوانه جميعا من الأذى، وصارت العزة لهم، والذل والصغار لمن خالف أمرهم، وظهر الإسلام في بني خطمة، وفي الطريقة نفسها، وللأهداف ذاتها تم مقتل أبي عفك اليهودي بعد شهر واحد من مقتل عصماء بنت مروان. (وكان شيخا من بني عمرو بن عوف وقد بلغ عشرين ومائة سنة، وكان يحرض على عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يدخل في الإسلام، وقال شعرا، فنذر سالم بن عمير الأنصاري - أحد البكائين من بني النجار ليقتلنه أو يموت دونه، وطلب له غرة، حتى كانت ليلة صائفة - ونام أبو عفك بالفناء في بني عمرو بن عوف فأقبل سالم فوضع السيف على كبده فقتله، والذي يربط بين الحادثتين أنهما تمتا بدون إذن من القيادة، وأقرتهما القيادة النبوية بعد ذلك وهذا يعني أن من يستحق القتل في حربه المسعورة ضد الإسلام، وليس هو مجال شبهة في هذا العداء، وأقدم شاب على قتله، في الحرب المعلنة بين دولة الإسلام ودولته أو هو فهو نصر للإسلام يظهر الغيب، فزعماء الطاغوت اليوم الذين أشعلوا الحرب على المسلمين قتلوا رجالهم، ولم يستحيوا نسماءهم. بل تجاوزوا فرعون الذي طغى، هؤلاء يتقرب إلى الله تعالى بدمائهم. وما فعله شباب الإسلام في الحاكم الذي تحدى المسلمين في الأرض فصالح عدوهم اليهود في يوم عيدهم. حين قتلوا هذا الطاغية إنما غسلوا عار المسلمين جميعا في أرض الكنانة، بل في كل مكان من الأرض الإسلامية ونصروا الله تعالى ورسوله بالغيب وشروا أنفسهم لله كما قال عمر رضي الله عنه. {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}.
ح - مقتل كعب بن الأشرف:
مر عام كامل بعد بدر، وأجلي بنو قينقاع عن المدينة. وكعب بن الأشرف لا يزال مشهرا لسانه في أعراض المسلمين ومنشبا سهامه في