للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحورهم، وازداد جرأة وحقدا وتحديا بعد جلاء بني قينقاع عن المدينة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من لي بابن الأشرف فقد آذاني. فقال محمد بن مسلمة: أنا به يا رسول الله، وأنا أقتله، قال: فافعل وأمره بمشاورة سعد بن معاذ. فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس منهم عباد بن بشر، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس، وأبو عبس بن جبر. فقالوا: يا رسول الله نحن نقتله فأذن لنا فلنقل، قال: قولوا. فأتاه أبو نائلة وهو في نادي قومه - وكان هو ومحمد بن مسلمة أخويه من الرضاعة - فتحدثا وتناشدا الأشعار حتى قام القوم فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء. حاربتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاع العيال؟ فقال كعب: قد كنت أحدثك بهذا أن الأمر سيصير إليه، قال أبو نائلة: ومعي رجال من أصحابي على مثل رأي، وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك طعاما وتمرا، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة. واكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد؟ قال: لا أذكر منه حرفا، لكن أصدقني، ما الذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتخلي عنه، قال: سررتني، فماذا ترهنونني؟ قال: الحلقة (١). فرضي. وقام أبو نائلة من عنده على ميعاد، فأتى أصحابه فأجمعوا أن يأتوه إذا أمسى لميعاده، وأخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمشى معهم ووجههم من البقيع وقال: امضوا على بركة الله وعونه، وذلك بعد أن صلوا العشاء في ليلة مقمرة مثل النهار. فأتوا ابن الأشرف فهتف به أبو نائلة - وكان حديث عهد بعرس، فوثب ونزل من حصنه إليهم. فجعلوا يتحادثون ساعة، ثم مشوا قبل شرج العجوز (٢) ليتحادثوا بقية ليلتهم؟ فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب وقال: ما أطيب عطرك هذا!! ثم مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بقرون رأسه فضربه الجماعة بأسيافهم، ووضع محمد بن مسلمة مغولا (٣) معه في سرة كعب حتى انتهى إلى عانته. فصاح صيحة أسمعت جميع أطام اليهود فأشعلوا


(١) الحلقة: السلاح عامة والدروع خاصة.
(٢) شرج العجوز: موضع بقرب المدينة.
(٣) مغول: سيف دقيق قصير ماض يكون في جوف سوط ليشده الفاتل على وسطه ليغتال به الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>