للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتالت المحن على المسلمين، فأخذت سرية الرجيع منهم مأخذا أليما.

لكن أبيات خبيب مضت مثلا سائرا على الثبات على المبدأ:

لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع

وكلهم مبدي العداوة جاهد ... علي لأني في وثاق بمصيع

وقد خيروني الكفر، والموت دونه ... وقد هملت عيناي من غير مجزع

وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذاري جحم نار ملفع

فوالله ما أرجو إذا مت مسلما ... علي أي جنب كان في الله مصرع

فلست بمبد للعدو تخشعا ... ولا جزعا إني إلى الله مرجع

وما كان لمثل خبيب أن لا يرثى وقد اغتالته قريش وصلبته على الجذع:

ما بال عينك لا ترقا مدامعها ... سحا على الصدر مثل اللؤلؤ القلق

على خبيب فتى الفتيان قد علموا ... لا فاشل حين تلقاه ولا نزق

فاذهب خبيب جزاك الله طيبة ... وجنة الخلد عند الحور في الرفق

وبين الهجاء للغادرين، والرثاء للشهداء. كان حسان يخوض حربه فمن أقذع ما قال حسان بالغادرين:

إن سرك الغدر صرفا لا مزاج له ... فأت الرجيع فسل عن دار لحيان

قوم تواصوا بأكل الجار بينهم ... فالكلب والقرد والإنسان مثلان

لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم ... وكان ذا شرف فيهم وذا شان (١)

أما الشهداء فقد نظمهم في سلك واحد:

صلى الإله على الذين تتابعوا ... يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا

رأس السرية مرثد وأميرهم ... ابن البكير إمامهم وخبيب

وابن لطارق وابن وثنة منهم ... وافاه ثم حمامة المكتوب

والعاصم المقتول عند رجيعهم ... كسب المعالي إنه لكسوب

منع المقادة أن ينالوا ظهره ... حتى يجالد إنه لنجيب (٣)

ومع اشتعال غزوة بني النضير، عادت حرب الشعر فاشتعلت من


(١) السيرة لابن هشام / ١٨٩ و١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>