للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أميال من المدينة فعسكروا هناك. وهناك أقبل معبد بن معبد الخزاعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم - ويقال: بل كان على شركه، فقال: يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولودنا أن الله عافاك، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم أن يلحق أبا سفيان فيخذله.

ولم يكن ما خافه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تفكير المشركين في العودة إلى المدينة إلا حقا، فإنهم لما نزلوا بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلا من المدينة تلاوموا فيما بينهم، وقال بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم، وقد بقي معهم رؤوس يجمعون لكم، فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم.

ويبدو أن هذا الرأي جاء سطحيا ممن لم يكن يقدر قوة الفريقين ومعنوياتهم تقديرا صحيحا، ولذلك خالفهم زعيم مسؤول (صفوان بن أمية) قائلا: يا قوم لا تفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف من الخروج .. فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم. إلا أن هذا الرأي رفض أمام رأي الأغلبية الساحقة وأجمع جيش مكة على المسير نحو المدينة. ولكنه قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره لحقه معبد بن أبي معبد الخزاعي، ولم يكن يعرف أبو سفيان بإسلامه؟ فقال: ما وراءك يا معبد؟ فقال معبد - وقد شهد عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة - محمد، قد خرج يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما ضيعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال أبو سفيان: ويحك ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل - أو حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة. فقال أبو سفيان: والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم. قال: فلا تفعل فإني لك ناصح.

وحينئذ انهارت عزائم الجيش المكي، وأخذه الفزع والرعب، فلم ير العافية إلا في مواصلة الانسحاب والرجوع إلى مكة. بيد أن أبا سفيان قام بحرب أعصاب دعائية ضد الجيش الإسلامي، لعله ينجح في كف هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>