والضغط الثاني على أعصاب المسلمين كان من خلال رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه دخل الكعبة وأخذ مفتاحها وعرف مع المعرفين وهم يعلمون أن رؤيا الأنبياء حق.
والضغط الثالث على أعصاب المسلمين كان من خلال بروز أبي جندل على الساحة وهو يصرخ يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني. وأبوه يضربه بغصن الشوك. والمسلمون عليهم أن لا يحركوا ساكنا أمام هذا التحدي لمشاعرهم أمام نص المعاهدة.
والضغط الرابع على أعصاب المسلمين حين رفض سهل بن عمرو أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ولم لا تثور الدماء في العروق؟ وتشتعل الحرب الضروس للحفاظ على الرحمن الرحيم؟ ولم كانت هذه الحروب في السنوات التي خلت؟ إلا لإعلان الرحمن الرحيم في الأرض؟
والضغط الخامس على أعصاب المسلمين كان حين كتب اسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصحيفة. ورفض سهيل بن عمرو اسم رسول الله، وأعلن عن إلغاء المعاهدة لو ذكر. والضغط السادس على أعصاب المسلمين كان من بنود المعاهدة المجحفة في ظاهر الأمر.
حيث أن عليهم أن يعودوا عن مكة هذا العام. وأنه جاء من أهل مكة مسلما رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن جاء من المسلمين إلى مكة مشركا لم يرده المشركون.
هذه الضغوط جميعا جعلت المسلمين في حالة نفسية صعبة لا يعلم مداها إلا الله، خاصة وهم يتحولون من المد الشعوري العالي بالبيعة على الموت. ونصر الله المقترب بدخول مكة والذي لا يشكون فيه طالما أن رسول الله قد حدثهم عنه.
حتى أن وفدا منهم كما مر لم يتمالك أن ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برؤياه، وكان على رأس هذا الوفد عمر رضي الله عنه الذي لم يفقد أعصابه كما فقدها اليوم، فأجابهم عليه الصلاة والسلام: قلت لكم في سفركم هذا؟ قال: عمر. لا فقال - صلى الله عليه وسلم -، أما إنكم ستدخلونه. وآخذ مفتاح الكعبة. وأحلق رأسي ورؤوسكم ببطن مكة. وأعرف مع المعرفين.
والدرس الذي نود أن تدركه القاعدة من هذه الأمور جميعا هو أنه ليس بإمكان القيادة دائما أن تعطي المبررات لتصرفاتها وأوامرها. والمطلوب من جنود الدعوة أن تكون ثقتهم بقيادتهم أكبر من ثقتهم بآرائهم وقناعاتهم. وليس بإمكان القيادة أن تفشي أسرار تصرفاتها للمستويات العامة. وحق جنود الدعوة هو إبداء الرأي والمشورة وبذل النصيحة وعليهم من طرف آخر السمع والطاعة فيما يحبون ويكرهون وفي العسر واليسر وفي المنشط والمكره.
وما برز من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي صورة واضحة عن هذا التصرف فرغم أن عمر رضي الله عنه فقد أعصابه. وأكثر من التساؤل لكنه لم يقم بأي تصرف أو مخالفة تحول دون تنفيذ أوامر