تحتمل أعصابهم هذه الضغوط وانتهى الأمر بهم أن توقفوا عن تلبية نداء الرسول عليه الصلاة والسلام لهم بالإحلال.
انفض القوم، ووقعت المعاهدة، وانتهى الأمر, الذي أصبح حقيقة واقعة, فلا دخول للحرم اليوم ولا حرب ولا مواجهة.
ولعلنا نقول أن الموقف الأخير، هو الموقف الوحيد الذي يصدر فيه أمر نبوي ولا ينفذ للتو.
ومن أجل ذلك كان هم النبي - صلى الله عليه وسلم - عظيما على جنده الذين يهلكون إن خالفوا أمره ورفضوا تنفيذ توجيهاته.
ونؤكد أنه لا يوجد في الأرض قيادة معصومة أو قيادة يوحى إليها وبالتالي فعلى القيادة أن تعذر الصف حين يتلكأ في أمر هو عكس قناعته. أو يتباطأ في تنفيذ قرار يناقض هواه. فإذا كان مجتمع الصحابة الذي هو خير مجتمعات الأرض لم يتمكن من الطاعة التامة بنفس الاندفاع السابق وقائده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا غرابة أن يظهر مثل هذا التصرف في أي صف مسلم قيادته منه تخطىء وتصيب.
كما نشير كذلك في موطن اسفادة قيادة الحركة الإسلامية من هذا الدرس إلى أهمية القدوة العملية من القيادة.
إن الأمر النظري حين لا تكون القيادة أسرع الناس لتنفيذه لن تستجيب القاعدة له ولقد أدركت أم سلمة رضي الله عنها هذا المعنى حين ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرورة الإحلال والحلق منه. واستجاب عليه الصلاة والسلام لاستشارة أم المؤمنين وخرج دون أن يتكلم بشيء فنحر بدنه، وتسارع المسلمون للنحر، وحلق رأسه وتسارع المسلمون للحلق.
فلم يعد لديهم عذر في احتمال تغير الرأي.
إن القيادة التي تريد طاعة جنودها لا بد أن تكون أسرع الناس في تنفيذ ما تأمر به أما إذا كان واقعها يخالف أوامرها فقد تستجيب القواعد مرة أو مرتين لكنها سترفض الأوامر في المرة الثالثة وتتخلى عن قيادتها وتدير لها ظهرها غير عابئة بالأمر. وتكون المسؤولية في مثل هذه الظروف على القيادة نفسها لا على الجنود.
لقد شهدت الحركة الإسلامية في إحدى فصائلها صورة شبيهة بهذه الصورة حين استنفرت جنودها لمواجهة الطاغية. وسارع الشباب من أقصى الأرض ملبين النداء. وإذا بهم يشهدون انصرافا عن المعركة في ظاهر الأمر إلى حلف سياسي مع خصوم تاريخيين لهذه الحركة. وانسحب هذا التراجع الظاهري على الصف الداخلي فزلزل الصف وبقيت الحركة تعاني منه شهورا طوالا