والحقيقة أن الانضباط في كف اليد عن المعركة هو أصعب بكثير من التوجيه والدفع للمعركة فنفسية الجندي المسلم هي نفسية شجاعة ترغب في مصارعة العدو وحربه لتحقيق موعود الله. وحين تأتي الأوامر إليه بكف اليد يحس أن الأمر كبت وخنق له فيتذمر وكثيرا ما تفقد الحركة الإسلامية النصر في معاركها حين لا تملك السيطرة على جنودها، وتحدد هي موعد المعركة ويلتزم شبابها بوضع اليد على الزناد فترة طويلة دون إطلاق.
نحن بحاجة أن نعيش هذه السيرة المطهرة جنودا وقيادات ونعرف من خلالها الذي يجب علينا فنؤديه والذي يحق لنا فنطالب به.
وإذا كان تاريخ الدعوة لم يشهد اندفاعا أعظم من الاندفاع نحو بيعة الرضوان. فهو كذلك لم يشهد تلكؤا وتأزما كما شهد يوم صلح الحديبية.
ولم يترك الله تعالى هذا الصف المسلم في قلقه بعد أن أدى امتحانه العسير العسير. واستجاب لأوامر نبيه. بل جاء القرآن بعد ذلك ليهدىء النفوس الثائرة ويشرح أبعاد المعاهدة. ويؤكد للصف المسلم أنها كانت الفتح المبين في تاريخ الدعوة بل كانت بداية عهد جديد فتحت أمامه آفاق وآفاق، وكان نقلة هائلة للدعوة غيرت مجرى التاريخ وبقي الصف القوي الملتزم هو العدة الحقيقية للاستفادة من هذه الظروف.
وندع الحديث عن هذا الصف المسلم القوي للشهيد سيد قطب رحمه الله في الظلال ومن خلال حديثه عن سورة الفتح.
(هذا الدرس كله حديث عن المؤمنين، وحديث مع المؤمنين مع تللك المجموعة الفريدة السعيدة التي بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة. والله حاضر البيعة وشاهدها وموثقها ويده فوق أيديهم فيها. تلك المجموعة التي سمعت الله تعالى يقول عنها لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}، وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لها: (أنتم اليوم خير أهل الأرض (١)) حديث عنها من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحديث معها من الله سبحانه وتعالى يبشرها بما أعد لها من مغانم كثيرة وفتوح، وما أحاطها من رعاية وعناية في هذه المرحلة. وفيما سيتلوها، وفيما قدر لها من نصر موصول بسنته التي لا ينالها التبديل أبدا.
{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة