واختار لحمل هذا الكتاب عمرو بن العاص (١) رضي الله عنه. قال عمرو: فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها عمدت إلى عبد، وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا - فقلت: إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليك وإلى أخيك، فقال: أخي المقدم علي بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك ثم قال: وما تدعو إليه؟ قلت: أدعو إلى الله وحده لا شريك له وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال: يا عمرو إنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك؟ فإن لنا فيه قدوة قلت: مات ولم يؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ووددت أنه كان أسلم وصدق به، وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام، قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريبا. فسألني أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال: وكيف صنع قومه بملكه؟ فقلت: أقروه واتبعوه. قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت: نعم. قال: انظر يا عمرو ما تقول، إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب. قلت: ما كذبت وما نستحله في ديننا، ثم قال، ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي، قلت: بل. قال: فبأي شيء علمت ذلك؟ قلت: كان النجاشي يخرج له خرجا، فلما أسلم وصدق بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال: لا والله لو سألني درهما واحدا ما أعطيته فبلغ هرقل قوله فقال له النياق أخوه: أتدع عبدك لا يخرج لك خرجا ويدين بدين غيرك دينا محدثا؟ قال هرقل: رجل رغب في دين، فاختاره لنفسه، ما أصنع به؟ والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع قال: أنظر ما تقول يا عمرو؟ قلت: والله صدقتك. قال عبد: فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه؟ قلت: يأمر بطاعة الله عز وجل وينهى عن معصيته ويأمر بالبر وصلة الرحم. وينهى عن الظلم والعدوان، وعن الزنا، وعن الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب. قال: ما أحسن هذا الذي يدعو إليه. لو كان أخى يتابعني عليه لركبنا حتى نؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ونصدق به، ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ذنبا. قلت: إن أسلم ملكه رسول الله على قومه. فأخذ الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهم، قال: إن هذا لخلق حسن وما الصدقة؟ فأخبرته بما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل. قال: يا عمرو وتؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه؟ فقلت: نعم. فقال: والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون لهذا، قال: فمكثت ببابه أياما وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري، ثم إنه دعاني يوما فدخلت عليه. فأخذ أعوانه بضبعي فقال دعوه، فأرسلت فذهبت لأجلس، فأبوا أن يدعوني أجلس. فنظرت إليه فقال: تكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختوما، ففض خاتمه وقرأ حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قرآنه، إلا أني رأيت أخاه أرق منه، قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت: تبعوه، إما راغب في الدين وإما مقهور بالسيف. قال: ومن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره وعرفوا بعقولهم من هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحدا بقي غيرك في هذه
(١) لا شك أن هذا الكتاب كان متأخرا، لأن عمرو رضي الله عنه أسلم قبيل الفتح.