الخرجة، وأنت إن لم تسلم اليوم وتبعته تواطئك الخيل وتبيد خضراءك. فأسلم تسلم ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرجال قال: دعني يومي هذا، وارجع إلي غدا.
فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو إني لأرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي، فانصرفت إلى أخيه، فأخبرته أني لم أصل إليه فأوصلني إليه، فقال: إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا تبلغ خيله ها هنا، وإن بلغت خيله لقيت قتالا ليس كقتال من لاقى، قلت: أنا خارج غدا، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال: ما نحن فيما ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه، فأصبح فأرسل إلي فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا، وصدقا النبي - صلى الله عليه وسلم - وخليا بينه وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكان لي عونا على من خالفني.
وسياق هذه القصة تدل على أن إرسال الكتاب إليهما تأخر كثيرا عن كتب بقية الملوك والأغلب أنه كان بعد الفتح.
وبهذه الكتب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أبلغ دعوته إلى أكثر ملوك الأرض فمنهم من آمن به، ومنهم من كفر ولكن شغل فكرة هؤلاء الكافرين وعرف لديهم باسمه ودينه ..
إن الرسائل المذكورة تفصح عن نفسها ولا تحتاج إلى تعليق .. فهذه الحركة العالية نقلت الإسلام من المحيط المحلي إلى المحيط العالمي. وهزت عروش ملوك، وأدخلت ملوكا في الإسلام، ووجهت بعض الملوك إلى الحرب، وما كان هذا الأمر ليتم قبل صلح الحديبية. حيث أصبحت الدولة الإسلامية هي الدولة الأقوى في جزيرة العرب بلا منازع. وإنهاء الحرب الطاحنة كان إيذانا بالتفرغ إلى الدعوة وتبليغها للناس كافة، والإشارة التي لا بد منها في هذا الصدد هي أن رأيا قد يرد بخطورة هذه الرسائل على الدولة الإسلامية الفتية، التي توجه الأنظار نحوها، وخصوصا إلى كسرى وقيصر. وقد جرى ذلك في تخوم الشام ولدى كسرى الفرس الذي مزق الرسالة واستدعى محمدا. حيا أو ميتا. وهل بإمكان المدينة أن تواجه دول الأرض؟
ولا بد من إيضاح هذه النقطة بأن تبليغ الدعوة في الوقت المناسب وحي رباني والله تعالى هو الذي يتكفل بحماية دينه. فحين كانت المدينة عاجزة عن مواجهة دولة الفرس الكبرى هيأ الله تعالى لحماية نبيه ودعوته انقلابا عاليا على كسرى. أدى هذا الانقلاب لمقتل الحاكم الطاغية وتراجع ابنه عن موقف أبيه من محمد - صلى الله عليه وسلم - كما يقول نص الكتاب (انظر الرجل الذي كتب فيه أبي إليك فلا تهجه حتى يأتيك أمري). وكان من طرف آخر فتحا جديدا بإسلام باذان عامل الفرس على اليمن ودخول أهل اليمن في الإسلام.
وقد اشترك في هذا الخطر على الدولة الإسلامية الحارث بن أبي شمر الغساني الذي هدد