: إنما نحن بمنزلة ثعلب في حجر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج وقلت له نحوا مما قلت لصاحبي، فأسرع الإجابة، وقلت له: إني غدوت اليوم. وأنا أريد أن أغدو وهذه راحلتي بفج مناخة، قال: فاتعدت أنا وهو بيأجج إن سبقني أقام وإن سبقته أقمت عليه، فأدلجنا سحرا، فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج، فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة فنجد عمرو بن العاص بها قال: مرحبا بالقوم فقلنا وبك. قال: إلى أين مسيركم؟ فقلنا: وما أخرجك؟ فقال: وما أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإسلام، واتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: وذاك الذي أقدمني فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة فأنخنا بظهر الحرة ركابنا فأخبر بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسر بنا فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقيني أخي: فقال: أسرع فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر بك فسر بقدومك وهو ينتظركم، فأسرعنا المشي فاطلعت عليه فما زال يبتسم حتى وقفت عليه فسلمت عليه بالنبوة، فرد علي السلام بوجه طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال: تعال. ثم قال: الحمد لله الذي هداك قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير. قلت: يا رسول الله: إني قد رأيت ما كنت أشهد عليك من المواطن معاندا للحق، فادعو الله أن يغفرها لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الإسلام يجب ما كان قبله. قلت: يا رسول الله على ذلك قال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيل الله قال خالد: وتقدم عثمان وعمرو فبايعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: وكان قدومنا في صفر سنة ثمان قال: والله ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعدل بي أحدا من أصحابه فيما حزبه (١)).
كانت غزوة خيبر قد انتهت وحطمت ما بقي في نفسية مكة من مقاومة. فقد سقط حليف ضخم لها في المنطقة، كانت تأمل أن ينهي على محمد إن فاتها هي ذلك. وحتى غطفان، فقد قام محمد - صلى الله عليه وسلم - بغزوات لها في عقر دارها، خلال هذه المرحلة، وكان عمرو بن العاص بعيد النظرة، حين حكم بعد الخندق بانتهاء قريش كقوة عسكرية بعد أن جيشت الجيوش وقادت عشرة آلاف مقاتل لتستأصل شأفة محمد في المدينة، ورجعت تجرجر أذيال الخيبة. فقد انتهى عمرو بن العاص رضي الله عنه كقائد حربي في مكة منذ الخندق، كما حدثنا عن ذلك، وصمم أن يغادر مكة إلى الحبشة لاجئا سياسيا يعيش عند صديقه النجاشي، تاركا الأمور في أعنتها حيث لا جدوى من المقاومة.
وكان الغزو النفسي لخالد رضي الله عنه إبان صلح الحديبية حين صلى رسول صلاة الحوف في الوقت الذي هم فيه خالد بغزوه وأقسم أن الرجل ممنوع. وتلقى عمرو بن العاص هزيمته الأخيرة بين يدي النجاشي حيث تمنى لو أن الأرض ابتلعته فرقا من النجاشي. ورواية الواقدي تقول إن النجاشي لم يضرب أنفه إنما ضرب أنف عمرو وتناثر الدم
(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ٢٤٠ ط ٣ مكتبة المعارف ١٩٨٠.