للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راية محمد - صلى الله عليه وسلم - وفي الموقع المناسب والمركز الملائم. إذن ففيم يقف؟ وماذا ينتظر؟

لقد حققت هذه الكلمات القلائل تلك النقلة الهائلة لخالد بن الوليد رضي الله عنه من الجاهلية إلى الإسلام. وكانت في ضخامة تأثيرها أشد بكثير من لطمة النجاشي. فلقد بقي عمرو ابن العاص رضي الله عنه شهورا طوالا قبل أن يعزم عزمته الأخيرة على المسير إلى المدينة أما خالد بن الوليد، فقد كان التحول الضخم عنده ليهيء متاعه دون توان ويمضي إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان له من شبه في الأثر ففى تلك الضربة العمرية لختنه سعيد بن زيد ولأخته وفي تلاوته لصدر سورة طه تلك الكلمات مست أعماق عمر ومضى إلى دار الأرقم مؤمنا منيبا بعد أن غدا قاتلا. وهذه الكلمات اليوم حولت خالد بن الوليد من حاقد ناقم إلى مؤمن ملتزم.

ولم تستطع معارك عشرين عاما وحوار عشرين عاما أن يفعل فعله في خالد بن الوليد رضي الله عنه كما فعلت تلك الكلمات في أعماق خالد، وهو يرى الأرض قد ضاقت عليه ويبحث عن الموقع الذي يضع قدميه فيه. فجاءته الرسالة لتقول له: تعال: هذا هو موقعك. وحلت أكبر عقدة نفسية عنده.

ومضى ليستلقي قليلا فيرى الرؤيا التي تتناسب وهذا الوضع النفسي الجديد الذي خرج من صحراء قاحلة مجدبة إلى أرض خضراء ممرعة.

والدعاة إلى الله اليوم بحاجة إلى وقفة طويلة مع هاتين القضيتين. قضية إسلام خالد، وإسلام عمرو فأعماق الحادثتين أكبر من الحدث الآني وهو دعوة ملحة لهؤلاء الدعاة أن يتعاملوا مع نفوس الناس. وأخص بالذكر الخصوم وقيادات الخصوم، ليحولوا تلك النفوس إلى الإسلام.

وليكن أعظم أهدافهم هو جعل طاقات وعبقريات هؤلاء الخصوم تنصب في معين الإسلام وتذود عنه. تماما كما قال عليه الصلاة والسلام (ولو كان جعل جده ونكايته مع المسلمين ..) وليكن لدى الدعاة من سعة الصدر أن يقولوا لخصومهم ما قاله عليه الصلاة والسلام لأكبر أعداء الإسلام ذات يوم لخالد بن الوليد (ولقدمناه على غيره).

أن تنتصر الحركة الإسلامية في معركة حربية. فتجندل بعض القيادات قتل ويلوذ بعض القواد بالفرار ثم يتأجج الحقد والرغبة في الثأر في معركة جديدة شيء عظيم لكن الأعظم منه بلا شك أن تنتصر الحركة الإسلامية في معركة النفوس الكبرى وفي حلبة الصراع العظمى بين الجاهلية والإسلام فتفتح هذه القيادات صدورها للإسلام وتنضوي تحت لوائه هو النصر الأكبر ولا شك. ومن أجل ذلك كان الفتح المبين في الحديبية. حيث أزيح السيف من الطريق، وفتحت معركة العقيدة وسرعان ما انتصرت العقيدة في النفوس، ومن أجل ذلك كان نصر الله والفتح ليس في هزيمة الجيش المكي الهزيمة المنكرة وعدد القتل والجرحى فيه. إنما كان في دخول الناس في

<<  <  ج: ص:  >  >>