الله - صلى الله عليه وسلم - على جيش ذات السلاسل وفي القوم أبو بكر وعمر، فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده، قال فأتيته حتى قعدت بين يديه قلت: يا رسول الله! من أحب الناس إليك، قال: عائشة. قلت: إني لست أسألك عن أهلك قال: فأبوها، قلت: ثم من قال: عمر، قلت: ثم من؟ حتى عدد رهطا. قال. قلت في نفسي لا أعود أسأل عن هذا.
وقد خرجاه في الصحيحين، وفي رواية: فسكت مخافة أن يجعلني آخرهم (١).
فقد كانت ذات السلاسل على غرار مؤتة وللهدف نفسه. ونجد هنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يختار عمرو مباشرة ليعجم عوده في الخط الإسلامي، وبطبيعة عمرو الحذرة الداهية طلب المد حيطة لما بلغه من كثرة العدو، وكان مددا من خيار أهل الأرض فمعظمهم من المهاجرين الأولين وأمر عليهم أبو عبيدة وفيهم أبو بكر وعمر.
إنها ليست معركة، أو ساحة تدريب، إنها مدرسة تربوية فذة يشهد فيها عمرو بن العاص ابن الثلاثة أشهر في حضن الإسلام. كيف يمد بخيرة أهل الأرض أبي بكر وعمر، ويشمخ أنفه أن يكون أميرا على الذين أمضوا قرابة عشرين عاما في حضن الدعوة، ولا يرضى أن يكون تبعا لأبي عبيدة وعظمة أبي عبيدة وسماحته ووصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له أن لا يختلفا دفعته للقول: لئن عصيتني لأطيعنك، وسلم إمرة الجيش لعمرو بن العاص الذي كان قبل فترة وجيزة يخطط لضرب عنق رسول محمد - صلى الله عليه وسلم - في الحبشة.
ومن حيث الحرب فلقد أبدى إمكانات فائقة ونفذ الهدف المرسوم كله ووطىء أرض قضاعة إذ كان مهيأ لذلك فأمه أو أخواله من بلى من قضاعة.
إن أحداث المعركة وتحقيق أهدافها العسكرية لا يعنينا كثيرا بمقدار ما يعنينا بناء هذا الصف المسلم.
هذا الصف الذي دخله من جديد أفواج ضخمة بالألوف وفيهم من الشخصيات النابهة أمثال خالد وعمرو. إنه مجتمع يبنى بسرعة فائقة. ويعد لحرب طاحنة فيما بعد فلا بد أن ينصهر هذا المجتمع الجديد، وتتمكن القاعدة الصلبة الأولى أن تضم هذه العناصر الجديدة، وتتكيف معها وتكيفها مع الإسلام، لا بد أن يقوم الرعيل الأول بالتجارب الرائدة الفذة، بالإيثار المطلوب، بالتضحية المناسبة بالبعد عن مراكز الشهرة ليتيح للطاقات الجديدة أن تأخذ مداها وحجمها وتبرز مكنون مواهبها.
واستطاعت هذه القاعدة الصلبة التي لم تكن تتجاوز ثلاثة ألاف أن تفتح صدرها لثلاثة