لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تواطؤ قريش مع بني بكر، لم يتمالك أن أعلنها في المسجد صريحة مدوية نصرت يا عمرو بن سالم، أو قوله: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب أو قوله: لا نصرت إن لم أنصر بني كمب مما أنصر منه نفسي.
فهذه الجدية في تنفيذ بنود الحلف تجعل الثقة لدى الآخرين بأن ينضووا تحت لواء المسلمين لضمان نصرهم وعونهم. لكننا لو تصورنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعر اهتاما لهذا الأمر، فهذا قد يدفع خزاعة إلى البحث عن حليف قوي ينصرها، أو التخلي على الأقل عن حلف رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
القضية الخامسة: هي أثر هذا التحالف في صف المتحالفين، فهذا الأمر يكسر الحدود المصطنعة بين هؤلاء الحلفاء والإسلام، أولا، وبينهم وبين المسلمين ثانيا. فهي فرصة مواتية لكي يعرض الإسلام على حقيقته دون غبش في صفوف هؤلاء الخصوم، وفرصة مواتية ثانية ليتعرف الحلفاء على طبيعة المسلمين وأخلاقهم وأفكارهم عن كثب. فتكون القدوة والدعوة من خلالها مهيأة أمام الآخرين.
وكل هذه القضايا هي في رصيد الحركة الإسلامية ذات بال تحتاج إلى استيعاب وتوضيحها لقواعدها حتى يزول اللبس في الأمور لدى شباب الحركة الذين يسيطر عليهم دائما نقاء الصف وتميزه وطهره.
وننتقل إلى مهمة أبي سفيان في المدينة.
فقد قدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر سلفا بثاقب نظره، وعميق فكره فقال:(كأني بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد، ويزيد في المدة).
ووصل أبو سفيان المدينة، وكان يفاجأ بالفشل أينما مضى، وكيفما اتجه وذلك لأن الصف الداخلي القوي كان قلعة منيعة في وجهه، عجز من أن يتسلل إليه ولو من ثقب إبرة، ويكفي أن نعلم أن في هذا الصف المسلم القوي ابنة أبي سفيان وألصق الناس به. وقد تلقى منها منذ اللحظات الأولى أقسى درس في حياته. لا ينساه ما عاش. وذلك حين طوت فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه لأنه نجس على شركه.
ولو استطاع أن يتسلل من هذه الثغرة لكانت أخطر ثغرة على الإطلاق. فهو بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولاشك أذ العدو يحاول دائما أن ينفذ من مثل هذه الثغرات إلى الصف المسلم.
ولم يكن لدى رسول الله حرج من أن تستقبل أم حبيبة بنت أبي سفيان أبا سفيان أباها في بيت رسول الله فهو مطمئن إلى أهل بيته، واثق بزوجه.