وأبو سفيان يدرك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لن يرد شفاعة وجاه أقرب المقربين إليه مثلل أصحابه الأربعة، وابنته وابن ابنته، وإدراك هذا المعنى عند أبي سفيان جعله يقول لفاطمة رضي الله عنها: يا ابنة محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر (١)؟ لأنه يتصور أن هذه الإجارة ستوقف حربا ضروسا بين مكة والمدينة لأنه يعلم أن الأخبار لا بد واردة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولن يقبل محمد أن يكون مهيض الجناح، فيسكت على ذبح حلفائه.
وننظر هنا إلى الخطوط العامة التي سادت مكة بعد عودة أبي سفيان فنراها تنصب على الاتجاه الذي سلكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر الناس بالتجهز والتهيؤ في بادىء الأمر، حتى أن أبا بكر الوزير الأول ما يدري لأي مكان الاتجاه ويسأل ابنته عائشة عن الأمر: فأين ترينه يريد؟ قالت: لا والله ما أدري ثم يوضح الهدف بعد ذلك بإعلام الناس بالتهيؤ إلى مكة. مع المحافظة على سرية التحرك:(اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها).
ولم يند عن هذه السرية في المدينة إلا حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه. وكانت زلة ضخمة دفعه لها حرصه على ولده وأهله. ومثل هذا المستوى مرفوض من حاطب البدري، وهو من الثقة لدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كان بمهمة ضخمة بعد الحديبية، بأن كان ممثل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس وقام بدور إيجابي ضخم في شرح رسالة الإسلام، ومع ذلك كانت هذه السقطة منه. ورأى عمر رضي الله عنه فيها أنها نفاق يستحق صاحبها القتل. غير أن الماضي العظيم لحاطب شفع له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث أجاب:(لعل الله اطلع على أهل بدر يوم بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). ولا شك أن خطيئة القدوة ضخمة في صفوف العامة. ومثل حاطب رضي الله عنه في موطن القدوة. غير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يستغني عن أحد من أصحابه. ويكفي ما جاء من المحاكمة العلنية أمام الناس، والقرآن الكريم الذي جاء بإدانته على هذا التصرف.
وتأتي خطورة القضية في أنها تمت دون علم القيادة، ودوافعها مصلحة الأهل والولد.
وهذا الدرس يعني بالنسبة للشباب المسلم أنه لا معصوم إلا من عصمه الله تعالى، وقد تقع الزلة والخطيئة ممن هم في موقع الولاية والمسؤولية والذين هم أصحاب الأسرار العامة والخاصة ومثل هذه الخطيئة تستحق القتل فهي بمثابة الخيانة العظمى، ولعل هذه الخاصية -حضور بدر-
(١) لم يكن أبو سفيان يدري أنه يتكلم في ظهر الغيب وأن الحسن بن علي صار سيد العرب والمسلمين إلى آخر الدهر، وذلك بعد ثلث قرن من فتح مكة على التقريب حين أجار بين الناس، وأوقف نزيف الدماء بين المسلمين بعد ستة أشهر من خلافته، وحقق نبوءة جده عليه الصلاة والسلام حين قال فيه: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين.) وكانت سيادته تكمن في حقنه للدماء بعد عشرات الألوف من القتلى في صفوف المسلمين، ولا نبعد أبدا أن يكون حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ابنه الحسن في تلك الفترة، وعقب كلمة أبي سفيان لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي ولما يناهز الحسن من العمر خمس سنين.