ونلتقي مع أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمة والعباس بن عبد المطلب من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحركون للإسلام أما مهمة العباس فقد انتهت فكان لابد له أن يدرك الهجرة وأما أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية هم أعدى العدو بالحسام وبالبيان. ولقد رفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بادىء ذي بدء قبولها بقوله:(أما ابن عمي فقد هتك عرضي، وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي بمكة ما قال). وقول عبد الله بن أبي أمية بقي جرحا غائرا يحفر في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد مرور ما ينوف عن خمسة عشر عاما. فهو الذي قال:(والله لا أؤمن بك حتى تصعد إلى السماء، وتدخل فيها ثم ترجع ومعك كتاب ومعك أربعة من الملائكة يشهدون أن هذا من عند الله ولو فعلت هذا ما أظن أني أصدقك،) وضاقت الأرض بما رحبت بهذين الطريدين فقال أبو سفيان: والله ليأذنن لي أو لآخذن بيدي بني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا .. ويلجأ أبو سفيان بن الحارث لابن عمه علي بن أبي طالب، ويشكو عبد الله بن أبي أمية لأم المؤمنين أم سلمة (فقالت: يا رسول الله لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك، وقال علي لأبي سفيان بن الحارث: أئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف {قالوا تالله لقد آترك الله علينا وإن كنا لخاطئين} فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن قولا منه. ففعل ذلك أبو سفيان فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) ومسحت حرب عشرين عاما من الهجاء والإقذع بكلمة واحدة أمام أعظم نفس بشرية لأن مفتاحه أنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا (١) فلقد أدرك علي رضي الله عنه مفتاح شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا المفتاح هو أنه قمة الكمال البشري. فلا يرضى عليه الصلاة والسلام لنفسه موقفا أدنى من غيره وهو المؤهل للقدوة العليا للبشرية في الأرض.
ومن الموقع نفسه نشهده مع أبي سفيان بن حرب ولقد جاء به العباس بن عبد المطلب ليأخذ له أمانا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عله ينقذ مكة من المواجهة ومما يثلج الصدر أن تكون رواية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بين أيدينا، وهو يعرض لنا حرصه على نجاة مكة.
(فقلت: واصباح قريش. والله لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر).
ونجد أن هذا الاتجاه لا يخرج عن رغبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو حريص على أن تستسلم مكة دون قتال، وهو حريص على حقن الدماء في مكة لتسلم له قلوب أهلها. وتكون مستعدة بالمعاملة الحسنة الكريمة الطيبة أن تنضم إلى الإسلام.
فنحن لسنا أمام قائد عسكري فقط، وهو سيد القادة في الأرض تهيئة وتخطيطا، وإعدادا