تجاه أعز أصدقائه من قبل، وأقرب أقربائه الأدنين تجاه عكرمة وصفوان اللذين دعاهما إلى الإسلام من بين كل الناس حين مضى إلى المدينة ليسلم.
ولكنها العقيدة هي التي فرقت بينه وبينهما اليوم، وهم يعرفون من خالد بن الوليد، وكانت مفاجأة صاعقة لهم أن يواجهوا به، وإن كان المهم وغيظهم منه أكثر من كل من سواه، فهو الذي تخلى عنهم، وانضم إلى صف محمد وهم الموتورون منه. وحاول خالد رضي الله عنه أن يحول بين المواجهة غير أنه عجز عن ذلك، فلقد كان الغرور والعجرفة هو الذي يسطر على هؤلاء المقاتلين، وقد رأينا مدى ثقتهم بقوتهم أن كان حماس بن قيس يعد امرأته أن يخدمها أحدهم. فسيكون المسلمون أسرى بين أيديهم وكما يقول:
إن يقبلوا اليوم فما لي عله ... هذا سلاح كامل وإله
وذو غرارين سريع السلة
ولن تستطيع قوة الشرك أن تصمد أمام قوة الإيمان حين يكون جند الإيمان هم القلة فكيف إذا كانوا هم الكثرة عددا وعدة، ومن أجل هذا ما تمالك المشركون ساعات حتى تبارى القادة بالفرار صفوان وعكرمة وسهيل، ومع فرار القيادة لاذ الجنود بالفرار والمسلمون في ظهورهم كالنار المشتعلة كما وصفهم حماس نفسه:
لم نهيت خلفنا وهمهمة ... لم تنطقي باللوم أدنى كلمة
ونلاحظ أن الخسائر كانت قليلة، فقد قتل من المشركين حوالي ثلاثة عشر رجلا بينما استشهد من المسلمين ثلاثة بينهم اثنان ضلا الطريق فوقعا بين يدي العدو. وقلة القتلى بين الفريقين ناتجة عن سرعة فرار المشركين من جهة بعد فرار قياداتهم. وعدم رغبة المسلمين في متابعة القتال حسب أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جهة ثانية.
والدرس الذي نفقهه من خلال هذه المواقف أن نحسب كل الحسابات في مواجهة العدو.
فلا يكفي الاعتماد على الاستسلام العام له إذ أن بعض فصائل هذا العدو قد تثور على من وقع وثيقة الاستسلام. فلا بد أن يعد لمثل هذا الأمر في التخطيط الذي تقوم به القيادة. والإرهاب بالقوة في أحيان كثيرة ليس هدفه القتل والذبح بمقدار ما يهدف إلى إحباط مقاومة العدو. والحركة الإسلامية تستفيد كثيرا من هذا الدرس حين تفت في أعضاد خصومها بما تملكه حقيقة من قوة رادعة لهؤلاء الخصوم. ولقد رأينا مثل هذا الموقف في عمرة القضاء حين قال المشركون: سيأتيكم محمد وجيشه قد أوهنتهم حمى يثرب، فاضطبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردائه وقال لجيشه والمشركون ينظرون إليهم من دار الندوة: رحم الله امرءا أراهم من نفسه قوة ومضى عليه الصلاة والسلام يهرول والمسلمون وراءه. لا بد أن تملك الحركة الإسلامية القوة الرادعة، أو تخطط لذلك، وهذا