هو الضمان الوحيد الذي يمنع الخصوم من حربها، وامتلاك هذه القوة الرادعة لا يعني أن تتحول إلى عصابة قاتلة بل تستطيع بهذه القوة أن تحطم النفوس المعاندة وتردع العدوان الكامن. وفي معظم الأحيان نجد أن هزيمة العدو مرتبطة بهزيمة قيادته. فمع فرار صفوان وعكرمة وسهيل انتهت الحرب.
وعلى الحركة الإسلامية أن تقدم إضافة إلى القوة الرادعة القوة المكافئة. فخالد هو الذي واجه سهيلا وصفوان وعكرمة. وهو الأدرى بهم وبإمكاناتهم. وهذا يعني كذلك أن الحركة الإسلابة لا بد أن تعد الوسائل المكافئة كذلك لمواجهة خصمها، وتجربة الحركة الإسلامية حين خاضت حربا ضروسا ضد أعدائها قبل أن تمتلك السلاح والرجال المكافئين للخصم فكانت كارثة مروعة راح ضحيتها عشرات الألوف من القتلى والجرحى والمفقودين. ولا بد أن تأتي الفرصة التي تحدد فيها مسؤولية هؤلاء المسؤولين عن هذه المرحلة. إن فرطوا في هذه الأمانة.
ونمضي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة:
أولا: فلقد كان وهو القائد المنتصر الذي دانت له رقاب العرب بعد أن أهدر دمه. وقال عنه ربه {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه، وأيده بجنود لم تروها، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}(١).
من ذلك الموقع الذي يقول فيه أبو بكر رضي الله عنه، لو نظر أحدهم إلى خلل قدمه لرآنا.
إلى هذا الموقف ويحيط به عشرة آلاف مقاتل على قلب رجل واحد. يفتح بهم الأرض، ويمضي إلى
الذين حاربوه عشرين عاما أو تزيد وها هو اليوم يدخل في قلب هذا النصر (يضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل). فهو الآن عبد الله ورسوله الذي أنعم الله تعالى عليه بالقتح، وليس هو كما تقول الجاهلية بطل النصر، وصانعه ومفجره، بل كان الهتاف الإسلامي الخالد:
لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده لا شيء قبله ولا شيء بعده.
فالنصر هو نصر العقيدة، نصر كلمة التوحيد، وليس انتصار الذات، أو انتصار الثأر أو انتصار الهوى وبالتالي فالتذلل لله تعالى في هذه الساعات هو التي يتنزل فيها نصر الله. وهذا الدرس لكل قادة الأرض الذين حفل بهم التاريخ أن يتعلموا من معلمهم الأول كيف يكون القائد المنتصر بين يدي ربه الذي أعطاه هذا النصر.