وكم يغيب هذا المعنى عن القادة المسلمين بله الفرد العادي من المسلمين فتأخذه نشوة النصر فلا يكاد يطا له أحد وهو قد انتصر بمظاهرة أو كلمة ألقاها أو كلمن عابرة اثنى عليه بها عابر سبيل.
ثانيا: ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة بعد أن أعلنت استسلامها الأخير وكان أول ما يقصده الذي يدخل مكة هو البيت. ولا بد أن نقارن بين طوافين. لقد كان الطواف الأول في عمرة القضاء والمسلمون معه والأصنام الثلاثمائة والستون تملأ فجاج الكعبة وأركان البيت. ولكنه كان عاجزا عن المساس بها. وليس له الحق في ذلك. إذ أن دخول الكعبة في عمرة القضاء دخول سلمي بحماية قريش وموافقتها. فطاف والأصنام قائمة أما اليوم فقد اختلف الأمر، لقد دخل مكة فاتحا، واستسلمت بعد قتال، غزيت بعد نقض للعهد. فالسلطة العليا له. ولا عهد لأحد عليه. فكان أول ما أقدم عليه - صلى الله عليه وسلم - هو تحطيم الأصنام. (فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه حتى ما بقي منها صنم إلا وقع).
وليت شباب الحركة الإسلامية يدركون هذه المقارنة، ويدركون أن الإسلام لا يطبق طفرة واحدة، فمع أن المسلمين دولة قوية في عمرة القضاء لكن لا سلطة ولا سلطان لهم على مكة. والذين صالحوهم وهادنوهم منحوهم حق العمرة في مكة فقط ولأيام محدودة دون مس بأمن مكة أو شعائرها أو عقائدها، لكن لا يطوفون بإعلان شعائر غيرهم كذلك فالمسلمون يعلنون كلمة التوحيد في مكة وهذا نقض كامل لمبادىء قريش. غير أنهم عاجزون عن القضاء على شعائر المشركين ومقدساتهم من الأصنام. ولقد قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الواقع من خلال معاهدة أقبل على توقيع بنودها، وهو درس هام وهام جدا للحركة الإسلامية يوضح خطوط تحركها، ويوضح المرحلية في الوصول إلى أهدافها، فما كان جائزا من خلال معاهدة بين قريش ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عدم التعرض لأصنام قريش. لم يعد جائزا. بعد مرحلة القوة الجديدة التي فتحت أبواب مكة أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون قيد أو شرط.
فقد تقدم الحركة الإسلامية على ميثاق هدنة أو صلح أو تحالف لا يتم من خلاله التميز الكامل لشعائر الإسلام، أو التنفيذ الكامل لمبادىء الإسلام. لكن الذي لا عذر فيه أن يقدم المسلمون شعائر جاهلية. أن تشترك الشعائر كل حسب مقدساته. فلا غرابة في ذلك، إذ لم يثبت أن المسلمين وهم يعطوفون حول الكعبة منعوا طواف بقية الناس، ومنعوا إعلان شعائر الشرك التي تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكا هو لك وما ملك. أو منعوا السجود للأصنام وتقديسها أثناء الطواف لكن كان لهم كامل الحق أن يطوفوا بشعائرهم دون أن يتقيدوا بشعائر المشركين.
وهذا التدرج الذي يصل المسلمون إليه خطوة بعد خطوة لا بد أن يفقهه الدعاة إلى الله