للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى. ولا يسارعوا إلى النيل من قياداتهم حين تسير في هذه الخطوات في التدرج حسب القوة التي تمتلكها. إن معاملة القاعدة للقيادة دائما على أن عليها أن تطبق أحكام الإسلام النهائية كما هي بعد براءة. فهو ظلم لهذه القيادة من جهة، وجهل بحقيقة هذا الدين ومرحلتيه وحركتيه في الوصول إلى أهدافه. وحين نبين الحد الواضح بين الاحتواء الذي يمثل نطقا بفكر غيرنا الذي لا نؤمن به أو يحارب عقيدتنا وبين التعامل التي يحفظ لكل طرف حقه في شعائره وعقيدته. والدليل على هذه المرحلية كما نرى هو اختلاف الموقف بين طواف عمرة القضاء وطواف الفتح. فقد رافق طواف الفتح هدم للأصنام في الكعبة، وإعلان كلمة التوحيد على بابها. والمشركون لا يملكون حتى رفع بصرهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خوفا ورهبة وإجلالا كذلك هذا الافتراق بين الطوافين هو الذي يعلمنا كيف ننطلق بهذا الإسلام في منهجه الحركي، ومن خلال سماته، المتتابعة التي تحقق نصرا عقب نصر من خلال خطة واضحة المعالم، محددة المراحل في ذهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي خطط لفتح مكة دون أن يضطر لقيد واحد أو شرط واحد على الفتح. بينما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذاته الشريفة في إعلان مبادىء الهدنة المشتركة بين قريش ومحمد بن عبد الله.

ومما كسر كذلك صنم قريش الأكبر الذي كان مفخر عزها، وهو الذي نادى أبو سفيان باسه يوم أحد فقال: أعل هبل .. ولم يترك الزبير رضي الله عنه هذا الأمر. فذكر أبا سفيان بذلك قائلا له: (يا أبا سفيان قد كسر هبل أما إنك كنت يوم أحد في غرور حين تزعم أنه قد أنعم! فقال: دع هذا عنك يا ابن العوام فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان). ومع انتهاء الطواف. وإلغاء كل مظاهر الوثنية الظاهرة. كان الناس ينظرون إلى القائد العظيم بثيابه الحربية الدرع والمغفر وعلى راحلته وهو بينهم حيث قام عليه الصلاة والسلام بعد الطواف بالشرب من ماء زمزم والوضوء منه استعدادا لخطوات لاحقة.

ثالثا: ثم كان دخول الكعبة المشرفة، حيث دعا عثمان بن طلحة رضي الله عنه وأخذ منه مفتاح الكعبة ودخلها فكسر شعائر الوثنية داخلها وهي الحمامة من العيدان، وصورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو يستقسم بالأزلام. وصلى بالكعبة ثم خرج إلى الناس. وكانت فرصة مواتية، أن طلب العباس بن عبد المطلب ضم الحجابة إلى السقاية وتكونان لبني هاشم.

وكان هذا أمام الناس جميعا، ومن يستطيع أن يناقش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر، حتى عثمان بن طلحة، فلقد غدا جنديا مسلما ينفذ أمر رسوله والناس جميعا كأن على رؤوسهم الطير، وهم ينتظرون ما تتحرك به شفتي النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الأمر وبيده أن يلغي الحجابة ويضعها في يده، أو يعطيها لبني هاشم رهط النبي من بعده. لكن المسلمين والمشركين فوجئوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ادعوا إلي عثمان بن طلحة - وكان - صلى الله عليه وسلم - قال له يوما بمكة: وهو يدعوه إلى الإسلام، ومع عثمان المفتاح. فقال: لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت. فقال له عثمان: لقد

<<  <  ج: ص:  >  >>