للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هلكت إذن قريش وذلت، فقال - صلى الله عليه وسلم - بل عمرت وعزت يومئذ - فأقبل عثمان فقال له عليه الصلاة والسلام، خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة، ولا ينزعها منكم إلا ظالم! يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا بالمعروف. فلما ولى عثمان ناداه عليه الصلاة والسلام فرجع إليه فقال له: ءألم يكن الذي قلت لك؟ فذكر عثمان قوله له بمكة. فقال: بلى أشهد أنك رسول الله، فقال: قم على الباب، وكل بالمعروف. ودفع عليه السلام السقاية إلى العباس رضي الله عنه) (١).

ونقف أمام هذا الدرس العظيم العجيب الذي يفسره قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا إن كل ربا في الجاهلية أو دم أو مال أو مأثرة فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج).

ولا بد من التذكير أن هذا التوزيع لهذه المآثر بالأصل هو توزيع جاهلي بحت على يدي قصي بن كلاب مؤسس دولة قريش. (وكان ابنه عبد مناف قد شرف وساد في حياته، وكان عبد الدار بكره فقال له قصي لألحقك بالقوم وإن شرفوا عليك، فأوصى له بما كان يليه من مصالح قريش فأعطاه دار الندوة والحجابة واللواء والسقاية والرفادة، وكان قصي لا يخالف ولا يرد عليه شيء صنعه. وكان أمره في حياته وبعد موته كالدين المتبع. فلما هلك أقام بنوه أمره لا نزاع بينهم ولكن لما هلك عبد مناف نافس أبناؤه بني عمهم عبد الدار في هذه المناصب، وافترقت قريش فرقتين وكاد يكون بينهما قتال، إلا أنهم تداعوا إلى الصلح واقتسموا هذه المناصب، فصارت السقاية والرفادة إلى بني عبد مناف، وبقيت دار الندوة واللواء والحجابة بيد بني عبد الدار ..) (٢).

ومع أن هذا التقسيم كما رأينا أعراف جاهلية ودين متبع عندهم. لم يكن لدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من بني هاشم أن يعيد المفتاح إلى عثمان بن طلحة ابن عمه البعيد. تقيدا بأعراف مكة التي تخالف الإسلام. بينما أعلن عليه الصلاة والسلام أن بقية المآثر تحت قدميه.

ونحن نعلم أن هذا الأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو من عند الله لأن الله تعالى أقر نبيه على ذلك. وشاءت إرادة الله تعالى أن تبقى حراسة بيته بيد بني عبد من عبيده وهو عثمان بن طلحة. وحتى خمسة عشر قرنا من الزمان. لم يتغير الأمر طالما ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي شرعه. وأما السقاية فقد تحولت على يد زبيدة زوج الرشيد (العباسية) ابنة العباس بن عبد المطلب إلى سقاية رسمية من خلال مشروع المياه الذي مددته من الطائف إلى مكة لسقاية الحجيج حين لم يعد زمزم كافيا لذلك.

ونفقه من هذا الدرس كذلك أن بإمكان الحركة الإسلامية وهي في ذروة قوتها أن تحافظ


(١) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٨٧، ٣٨٨.
(٢) الرحيق المختوم ص ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>