للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلامي هو مدرسة بحد ذاتها. فلم يشتف المسلمون من كافر شفاءهم من أبي جهل. ورغم هذا الحقد المتوارث في النفوس والكره المستأصل فيها، فقد صدرت أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإغلاق هذه المدرسة. إكراما لعكرمة المؤمن المهاجر. وإذا كان المسلمون قادرين على كبت مشاعر الحقد والكره على أبي جهل فرعرن هذه الأمة. لكنهم عاجزون تماما عن إبداء مشاعر الحب إلى الذي بقي حتى آخر لحظة يحارب الإسلام ويحارب الله تعالى ورسوله. لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يحمل في قلبه تاريخا كاملا من أذى أبي جهل وحربه له ولعقيدته، كان أكبر من بشر الأرض جميعا في سوه، واستطاع أن يظهر كل معاني الحب والود لعكرمة. فيثب إليه فرحا منذ رؤيته. أولا يحس عكرمة رضي الله عنه أنه يذوب حياء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أعجز من أن يصمد لحظة واحدة أمام هذا الاسقبال العظيم بعد الحرب الكؤود. وأنه لن يقدر على هذا إلا أولوا العزم من الرسل أو بالأحرى سيد هؤلاء الرسل جميعا. ومع ذلك تمالك وتجلد وتأكد قبل أن يعلن إسلامه من أمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له. وأعلن إسلامه بعد أن نال أمانه.

إنها مدرسة في التربية وليس درسا فقط، تجري أمام هذا الجيش المسلم. تتجلى في هذه المعالم الثلاثة كظم الكره والحقد عن أكبر كفار في التاريخ ومجرميهم أبي جهل إكراما للعدو الألد ابنه الذي يأتي للإسلام. القيام والوثوب لاستقبال هذا العدو الألد. ومظاهر الفرح تملأ كيان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما يعلن عكرمة إسلامه بعد.

إعطاء الأمان لعكرمة قبل أن يعلن إسلامه وهو الذي ملأ الدنيا حربا ضد الإسلام والمسلمين. وهكذا دخل عكرمة في هذا الدين دون أن تخدش كرامته أو تمس. فقد كان بإمكانه أن يغادر مكة، أو يبقى على كفره بهذا الأمان إلى فترة محددة. ولكنه حرص على أن يدخل في هذا الدين دون أن يكون هذا الأمر تحت وطأة السيف وطريق الإرهاب. واستطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستل حقده كله، وأن يضبط عواطف جيشه كله. فلا ينال من عدو الله أبي جهل إكراما لهذا المستأمن أولا، ثم المسلم بعد ذلك.

والذي يؤكد هذا المعنى هو صفوان بن أمية الذي طلب أمانا لشهرين فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمان لأربعة أشهر. وتأخر في إسلامه حتى حضر حنين مشركا.

والذي لا شك فيه أن معاملة هؤلاء القادة كانت معاملة خاصة استثنائية. فلا أمان لكافر محارب في الأصل، وإعطاؤه الأمان هو فسح الصدر لهذه النفوس أن تهدأ وترعوي.

وصفوان رضي الله عنه، بلغ من حقده أنه رفض في بداية الأمر أن يكلم صديق عمره، عمير بن وهب الجمحي والذي لم يكن حقده عليه أقل من حقده على محمد - صلى الله عليه وسلم - حين عاهده في الحجر بعد بدر على قتل محمد - صلى الله عليه وسلم -، وراح يحدث القوم: سيأتيك عمير بخبر تتحدث به الركبان.

<<  <  ج: ص:  >  >>