وجاء الخبر بإسلامه، فأقسم أن لا يكمله. وها هو الآن يلحق به إلى البحر ويدعوه ويلاطفه ويلح عليه ويذكره بابن عمه محمد - صلى الله عليه وسلم - أبر الناس وأوصل الناس وأحلم الناس حتى تلين قناته، وتهدأ نفسه. وعاد يطلب الآمان. وقبل منه أن يدخل مدرسة المسلمين وهو على شركه. إنه يعيش وسط البيئة المسلمة. وهو على شركه وهو على حقده. وجرت حادثة كان من الممكن أن توتر الجو حين جاءه رسول محمد - صلى الله عليه وسلم -.
حيث بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستقرض من صفوان خمسين ألف درهم، وأدراعا من عنده للحرب فقال: أغصبا يا محمد، قال: لا. ولكن عارية مؤداة. وأداها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له من غنائم حنين، ولئن كفت المعاملة الطيبة لعكرمة مباشرة في دخوله في الإسلام. لكن صفوان تأخر بعد حنين حتى أسلم يقول رضي الله عنه:
والله ما كان على ظهر الأرض أحد أبغض إلي من محمد، فما زال يعطيني من غنائم حنين حتى لم يعد أحد على ظهر الأرض أحب إلي من محمد.
ولئن كان الوثوب لاستقبال عكرمة والأمان والنهي عن سب أبي جهل استطاعت أن تسل حقد عكرمة فيسلم. وكانت غنائم حنين كفيلة بأن تستل حقد صفوان بعد شهرين. فكان لجواب رسول الله عليه - صلى الله عليه وسلم - لسهيل بن عمرو. أعظم الأثر في استلال حقده. وكانت مدرسة سهيل بن عمرو من مدرسة خالد بن الوليد رضي الله عنه. حيث أسلما من خلال الكلمة الطيبة.
كانت كلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالد: ما مثل خالد يجهل الإسلام، وعقله عقله، ولو جاء إلينا لقدمناه على غيره.
وكانت كلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن سهيل عن أبيه:
من لقي سهيل بن عمرو فلا يشد النظر إليه، فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف، وما مثل سهيل جهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن بنافع.
فقال سهيل، كان والله برا صغيرا وكبيرا.
فخرج وشهد حنينا وأسلم بالجعرانة.
إن هذا الصبر القليل على هؤلاء القادة الثلاثة. جعلهم يدخلون الإسلام كما قال ابن الزبعري. بعد أن أسلم اللحم والعظام لربهم، ولا يدخلونه خيفة أو نفاقا.
إن السخصيات العظيمة لا تتقن النفاق، فقد كان بالإمكان أن يموتوا طريدين مشردين، حاقدين على الإسلام. لكن عظمة المعاملة النبوية. نقلتهم وهم قادة إلى الصف المسلم ليتبوؤوا موقع القيادة فيه. ويكونوا سادة على قومهم يقاتلون بهم أعداء الله. ويسقطون شهداء في المعارك.