للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راية واحدة حتى لا يخاف الإسلام في الحدود الممكنة. والدعاة بحاجة إلى فقه هذا التدرج مرحلة عقب مرحلة محكومة بالقوة التي تملكها الحركة الإسلامية والقدرة على الانتقال إلى الموقع الأفضل مع القوة الأفضل. ونرجىء المرحلة الأخيرة لما بعد سورة براءة.

وفي الحديث عن سرية خالد رضي الله عنه إلى بني جذيمة تبرز معان جديدة متعددة. فمن هذه المعاني أن خالدا رضي الله عنه قد نجح أعظم نجاح بصفته قائدا حربيا في مؤتة وفتح مكة، وهدم العزى. نجده فشل فشلا ذريعا بصفته داعية إلى الله تعالى. وطغى الجانب الحربي على الجانب الدعوي عنده، وكانت تجربة قاسية له ولا شك ولما يمر على إسلامه سنة كاملة وبالتحديد خلال الأشهر الثمانية الأولى من إسلامه.

لقد كانت بوادر هذا الإندفاع ظاهرة في فتح مكة حيث قاتل المشركين. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن القتال، وحوسب على ذلك فقال: (جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت عليه. فأرسل إليه ألم آمرك؟ قال: أردت أمرا وأراد الله أمرا فكان أمر الله فوق أمرك وما استطعت إلا الذي كان) (١). وفي رواية أنه أقسم ما قاتل حتى قوتل.

وقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عذره.

لكن الخطيئة في بني جذيمة كانت ضخعة. وذات أثر سيء جدا في الصف العربي الذي ينظر إلى المسلمين على أنهم القدوة العليا في الأرض، وعلى اختلاف الروايات. فلا نجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هنا يغفر لخالد، بل يرفع يديه إلى السماء متجها إلى القبلة ويقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد. (قالها ثلاثا).

وصورة الأمر حين ينتشر يعني أن لا عهد للمسلمين مع خصومهم، وأنه ليس أمام هؤلاء الخصوم إلا المقاومة أو الإسلام. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث خالدا داعيا ولم يعثه مقاتلا ودون الخوض في التعليلات التي سبقت واختلاف الروايات فيها. فمما لا شك فيه أن مقتل الكثير من بني جذيمة يخالف التوجيه النبوي مخالفة تامة، واحتال أن تكون هذه النفوس السبعون أو أكثر قد قتلت ظلما بعد الإسلام هو احتمال قوي كما تذكر بعض الروايات الصحيحة والذي يزيد في المسؤولية أن هناك من احتج احتجاجا شديدا على قتلهم. وأهم من احتج على ذلك عبد الله بن عمر، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الرحمن بن عوف، حتى كاد يكون بينهم شر. وإن كانت بعض الروايات تشير إلى أن عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه هو الذي أمر خالدا بذلك. وكان ألم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألما عظيما من هذه النتيجة. وحاول أن يستدرك الأمر بعلي رضي الله عنه الذي لحق ببني


(١) البداية والنهاية ج ٤ ص٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>