للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جذيمة فأوقف القتل، ودفع دية جميع القتلى بلا استثناء، وعوض عن جميع الخسائر الماديه حتى ميلغة الكلب.

ومن هذه المعاني، الدرس القاسي الذي لقنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالد، حين أعلن براءته مما عمله على مستوى الملأ، هذا بالنسبة له. لكن حرص عليه الصلاة والسلام على الحفاط على ما تبقى من الدماء درس آخر علني في تسفيه سلوك خالد وتخطئته على الملأ من بني جذيمة.

ومن طرف ثالث. وضع خالد رضي الله عنه ضمن حدوده حين يتجاوز على أمثال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وهو من السابقين الأولين من المهاجرين.

إن هذه النفسية العظيمة التى كانت تجد الأمجاد أمامها مجدا بعد مجد. لا بد لها حين تخطىء من أن تكفكف عن خطئها. وتطامن من كبريائها، فتبقى هذه التجاوزات محاطة بسياج الإسلام يردها عندما تريد الجموح لقد كانت كلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالد، أقسى من أي درس تلقاه في حياته. درس في التربية، يتلقاه القائد العظيم، ليتعلم أصول الدعوة وطريقها. وذلك حين قال له عليه الصلاة والسلام: دع عنك أصحابي. فلو أنفقت ملء أحد ذهبا ما بلغت مد أحدهم ولا نصيفه. وفي رواية: ما أدركت غدوة رجل من أصحابي أو روحته.

كان لا بد لهذه المعاني أن تطرق ذهن القائد العظيم وهو يتلقى دروس التربية في مدرسة النبوة. فذكر الغدوة والروحة لا بد من الإشارة إليه، وكل علاقة خالد بالجهاد لم تبلغ بعد ثلاث معارك خلال ثمانية أشهر فكيف يغيب عن ذهنه جهاد عشرين عاما أو تزيد في صحيفة عبد الرحمن رضي الله عنه هذا من جهة، ومن جهة ثانية. فلذكر جبل أحد معنى ذو مذاق خاص، لا يدرك مذاقة المر مثل خالد بن الوليد رضي الله عنه. فهو بطل أحد، وهو الذي حارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك المعركة في الوقت الذي كان عبد الرحمن بن عوف واحد من خمسة يذودون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وناله أكثر من عشرين جراحة. فكيف يستويان؟

وفي الوقت الذي كان خالد رضي الله عنه يحمل على كتفيه وسام مؤتة وهو من أعلى الأوسمة العسكرية على الإطلاق. لكن هذا لا يعفيه من المسؤولية، ولا يبيح له قتل كثير من المسلمين دون تثبت. فكان هذا الدرس من أعظم الدروس التربوية التي تلقاها خالد في حياته رضي الله عنه. فقه منه أن الحرب ليست للحرب. كما هي الحال في تاريخه العسكري لعشرين عاما خلت، وفقه منه أنه داعية قبل أن يكون قائد حرب ممتاز، وفهم منه أن استلامه الموقع الأول في القيادة لا يعني أن هذا يعطيه حق التعالي على الآخرين، أو أنه غدا خيرا منهم. بل لا يحق له أن يقارن نفسه مع الجيل الأول من المجاهدين ومع الرعيل الأول منهم.

ومن المعاني التي تبرز من خلال هذه السرية حركية الرسول - صلى الله عليه وسلم - العجيبة التي جعلته يتدارك

<<  <  ج: ص:  >  >>