للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر قبل فوات الأوان. وحين تقارن هذه الحركية مع الحركية القائمة للجماعة الإسلامية يكاد يصيبنا الذهول والألم للبون الكبير بين الحركتين. مع توفر وسائل المواصلات اليوم. وفي العمق النفسي الذي سلكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واختياره عليا بالذات بصفته الممثل الشخصي له فهو أخوه وابن عمه كي يطمئن الناس إلى الموقف الصحيح الذي عالج الخطأ. بهذه الحكمة حتى ليدي مبلغة الكلب، ويوزع الباقي على بني جذيمة لتثلح صدور الناس.

من جديد، وتمسح هذه اليد الحانية تلك المجزرة الضخمة. ولا أدل على التعبير عنها مما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نومه إذ قال:

(رأيت كأني لقمت لقمة من حيس (١) فالتذذت طعمها، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها فأدخل علي يده فنزعه. فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله هذه سرية من سراياك تبعثها. فأتيك منها بعض ما تحب، ويكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله) (٢). ولعل الشيء الأخطر الذي أنقذه علي رضي الله عنه هو سمعة المسلمين، وذلك حين يتناقل الناس النبأ أن المسلمين يغدرون، وإنهم سيذبحون كل من يعاديهم حتى لو دخل في الإسلام. فانتشار هذه القالة دون أن ينتشر معها ذلك التصحيح المباشر الذي يلف الخطأ ويزيل آثاره سوف يقف سدا ذريعا بين الناس وبين الإسلام.

وهذا الدرس يعني أن كرامة الحركة فوق كرامة الأشخاص، وسمعة الدعوة فوق سمعة الأشخاص وأن يشرح خطأ خالد علنا. على ما فيه من قساوة على خالد. هو أمر من مصلحة هذه الدعوة التي لا يجوز لها أن تفرط في ذرة من سمعتها على الإطلاق.

ومن أجل إرضاء النفوس يبذل المال كله، ولو تجاوز حدود الصلاحيات المتاحة ضمن الهدف العام الذي تتحرك القيادة من أجله وهو تطبيب النفوس، وإعادة الثقة فيها من جديد.

ومن المعاني السابقة المذكورة إلى المعنى الأخير الخطير. هذا المعنى، هو قيمة الداعية المجاهد. وقبل أن نمضي بعيدا في هذا المعنى نقف مع هذه اللمحات والخطرات في واقع الحركة الإسلامية من خلال بعض الأمثلة التي توضح الفرق بين هذا الواقع وبين الأفق الوضيء الذي تدعونا السيرة النبوية إليه.

١ - ذات مرة وقع أخ من صفوف الحركة الإسلامية أسيرا بيد حليف هذه الحركة. ولخطأ أو إهمال أو غدر تم تسليم هذا الأخ إلى يد العدو. فأدت هذه القضية في صف هذه الحركة إلى توتر لم


(١) حيس: أن يخلط السمن والتمر والإقط فيؤكل.
(٢) السيرة لابن هشام ج ٤ ص ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>