وعشرون رجلا فيهم أبو بكر - تسور حصن الطائف وتدلى منه ببكرة مستديرة يستقي عليها. فكناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكة، فأعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه. فشق ذلك على أهل الحصن مشقة شديدة، ولما طال الحصار واستعصى الحصن، وأصيب المسلمون بما أصيبوا من رشق النبال، وبسلك الحديد المحماة - وكان أهل الحصن قد أعدو فيه ما يكفيهم لحصار سنة - استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوفل بن معاوية الدولي فقال: هم ثعلب في حجر-إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يغيرك، وحينئذ عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رفع الحصار والرحيل، فأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فثقل عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغدوا على القتال، فغدوا فأصابهم جراح فقال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فسروا بذلك وأذعنوا، فجعلوا يرحلون .. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، ولما ارتحلوا واستقلوا قال: قالوا: آيبون تائبون، لربنا حامدون.
وقيل يا رسول الله ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفا وئت بهم.
وفد ثقيف: كانت وفادتهم في رمضان سنة ٩ بعد مرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك، وأسلمت ثقيف.
وفد هوازن: وبعد توزيع الغنائم أقبل وفد هوازن مسلما وهم أربعة عشر رجلا.
لم يكن يكفي سقوط معقل الوثنية - مكة لانتهاء المقاومة المسلحة، فالقبائل المجاورة من هوازن وثقيف لا تزال مركز قوة ضخم، وتشكل خطرا على الوجود الإسلامي كله. ومن أجل هذا كانت خطة النبي - صلى الله عليه وسلم - تتجه إلى إنهاء كل الجيوب الوثنية المتبقية، وهي ذات قوة ضارية فعالة.
وحيث أن التربية جزء أساسي من حياة الفرد المسلم والجماعة المسلمة، وحيث أن هذا التجمع الجديد الذي وصل تعداده إلى اثني عشر ألف مقاتل، لم تتح له فرصة التميص المناسبة، ولم تصهره المحنة بعد، إذ تم دخول مكة دون قتال يذكر. فهذا يعني أن هذا الجيش الذي يزيد في أكثر من نصفه من حديثي عن عهد بالاسلام. فكانت المحنة سبرا لهذه النفوس.
لقد أثر هذا الحشد الضخم على أعصاب المسلمين، ورأوا هذه الأعداد الهائلة، فيقول قائلهم: لن نغلب اليوم أو يقول عليه الصلاة والسلام: لن يغلب اثنا عشر ألف عن قلة. فالأمر في النتيجة واحد. هو أن التجمع الذي لا تصهره التربية، يصعب عليه أن ينتصر، وهذا ما نزل بالمسلمين يوم حنين.
{لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}(١).