وكانت المرحلة الثانية من المعركة هي النداء الخالد للعصبة المؤمنة: يا أصحاب سورة البقرة. كان النداء إلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. فبدأت الأفراد تفد إلى ساحة المعركة. حتى بلغت المائة، ويقال إن المائة الصابرة يومئذ ثلاثة وثلاثون من المهاجرين وسبعة وستون من الأنصار.
ثم خصص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرحلة الثالثة: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة (فنادى العباس بذلك وكان رجلا صيتا فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها يقولون: يا لبيك يا لبيك: فأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالمتطاول في ركابيه، فنظر إلى قتالهم وقال: الآن حمي الوطيس، ثم أخذ بيده من الحصا، فرماهم بها وهو يقول: شاهت الوجوه ثم لا ينصرون. ثم قال: انهزموا ورب الكعبة. فما زال أمرهم مدبرا وانهزموا)(١).
وكانت هذه المراحل المتلاحفة بسرعة. تحدد مراحل المعركة. وتثبت الإيمان في قلوب ضعاف الإيمان. فلو استثنينا تلك القاعدة الصلبة التي تبلغ الألفين من المسلمين، لرأينا أن العمود الفقري من الجيش وهو من حديثي العهد بالإسلام كان لا بد أن يرى هذه المعجزة الإلهية بأم عينه، ويرى نصر الله تعالى لنبيه، ويرى ثبات هذا النبي وحده وبضعة عشر نفرا وهو يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
ولقد كان هذا التحدي مثلجا لصدور العصبة الصغيرة حرولهم، فحوالي ثلثهم من بني عبد المطلب الذين ثبتوا معه، وكانوا بالأمس يحاربونه ويهجونه ويقاومونه.
ولا بد أن يطرق هذا المعنى، أذهان الشباب المسلم ويتسع بأفقه بعيدا. ويعترف بقوة رابطة النسب إلى جوار رابطة العقيدة. حين يرى أبا سفيان بن الحارث وأخاه ربيعة والعباس وابنه. وعلي بن أبي طالب. وهذا يعني الاستفادة من روابط النسب وغيرها إلى جوار رابطة العقيدة وتحت ظلها ورايتها، وأكدت هذه المعركة كذلك، أن الصف المسلم سيبقى في محن متتابعة حتى يتم انصهاره وتلاحمه، وأن النصر بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء وأن الإعجاب النفسي بالقوة والطاقة قمين بالمحنة القاسية لتعديل هذه النظرة وتغييرها حتى يتطامن ذلك الإعجاب ويخضع صاحبه لله رب العالمين.
وكانت المحنة الثانية العنيفة التي واجهها الجيش المسلم هي حصار الطائف الذي استمر