للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن التعامل مع القاعدة الصلبة يختلف كثيرا عن التعامل مع صفوة الصف المسلم، الذي ينطلق من الثقة العميقة بقائده. غير أن هذه القاعدة لا بد من تذكيرها دائما بهذا الأصل، وإلا فقد تقلق حين تغيب عنها هذه المعاني، وقد تطفوا على السطح أحيانا بعض المعاني المادية وكأن تقويم المرء المسلم من خلالها، فلا بد من اليقظة المستمرة والتربية المستمرة للمحافظة على الأفق العالي لهذه الجماعة:

(قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة. وتركت جعيل بن سراقة الضمري. فقال: أما والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلها مثل عيينة والأقرع. ولكني أتألفهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه) (١) وكانت هذه عند جعيل رضي الله عنه تعدل مال الأرض كله.

كان هذا على المستوى الفردي. وكان هذا على المستوى الجماعي.

(ولما أعطى رسول الله ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم: لقد لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله إن هذا للحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال: فأين أنت من ذاك يا سعد قال: يا رسول الله ما أنا إلا من قومي. قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. قال: فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة. قال: فجاء رجال المهاجرين فدخلوا فتركهم، وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار. فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم، موجدة (٢) وجدتموها علي في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم: قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل. ثم قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المن والفضل: قال - صلى الله عليه وسلم -: أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك. أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة (٣) من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم: ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء


(١) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٤٢٥.
(٢) الموجدة: العتاب.
(٣) اللعاعة: بقلة خضراء ناعمة شبه بها زهرة الدنيا ونعيمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>