للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم. فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا، ثم انصرف رسول الله وتفرقوا (١).

لقد كلف إنهاء جيوب الوثنية في الأرض العربية أن وضع المال كله أداة لتطييب النفوس وترقيقها وتحبيبها للإسلام. وهذه هي وظيفة المال أن يكون أداة لطاعة الله.

والعدالة في التوزيع هي أصل في المال. وتربية النفوس على أن لا تستعبد لهذا المال أصل آخر، ومن أجل هذا أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توزيع هذا الفيء، بعد أن أصدر أوامره بمنع أخذ أي شيء منه حتى الخياط والمخيط. وضبط النفوس ظاهرا على الأقل - والنفسية العربية التي ترى المال بين يديها من الدراهم والدنانير والإبل والشياه. ثم تتمالك دون أن تلتهمه. شيء يختلف مع طبيعة هذه النفسية. وكان هذا هو الدرس الأول.

(ثم ثار بعض الأعراب، وهم يلحون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقسمة الغنائم حتى خطفوا رداءه فقال: ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا، ثم قام إلى جنب بعير، فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصبعيه، ثم رفعها ثم قال: أيها الناس والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم) (٢) وكان هذا هو الدرس الثاني.

(وجاء رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال: يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر؟ فقال: أما نصيبي منها فهو لك. قال: أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها، ثم طرحها من يده.) (٣) وكان هذا هو الدرس الثالث.

ثم كان التوزيع الآنف الذكر على المؤلفة قلوبهم على أوسع مظانه، وكان هذا هو الدرس الرابع.

(وجاء رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، فوقف عليه وهو يعطي الناس، فقال: يا محمد قد رأيت ما صنعت هذا اليوم. فقال رسول الله: أجل فكيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلت، قال: فغضب النبي. ثم قال: ويحك: إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله. ألا أقتله؟ قال: لا. دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية (٤) وكان هذا هو الدرس الخامس.


(١) السيرة لابن هشام ج ٤ ص ٤٩٨ - ٤٩٩
(٢) السيرة لابن هشام ج ٤ ص ٤٩٢.
(٣) المصدر نفسه ج ٤ ص ٤٩٢.
(٤) المصدر نفسه ص ٤٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>