ثم كان أعظم الدروس على الإطلاق هو هذا اللقاء مع الأنصار.
ولا معنى لأن يكسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زعماء تلك القبائل وزعماء قريش مقابل فقدان الثقة من صفه الأول من المهاجرين والأنصار. وعندما توضح الالتباس وعرف هذا الصف موقعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أن يكون المحيا محياهم والممات مماتهم، وأن يذهب الناس بالشياه والبعير ويذهب الأنصار برسول الله عليه الصلاة والسلام. فهو قرة عيونهم وهم قرة عينه، ومن أجل هذا مسحت هذه الموجدة وذابت والسعادة تغمرهم بهذه الغنيمة.
وفي هذا الأمر دروس غنية للصف المسلم اليوم قاعدة وقيادة يحسن أن نستوعبها فنستفيد منها.
أولا: التفريق بين المال العام والمال الخاص. وحرمة التصرف في المال العام قبل توزيعه، مهما كان حجمه. ولو كان كبة الشعر والخيط والمخيط والتساهل في التصرف فيه يقود إلى النار:
(فإن الغلول يكون على أهله عارا ونارا وشنارا يوم القيامة)(١).
ثانيا: تقدير التوزيع وعدالته عائد لقيادة الجماعة وأميرها. فهو آمر الصرف فيها، وهو يقدر كمية التوزيع وأهميته. ومصلحة الدعوة تحكمه، ونصوص الشريعة تحكمه.
ثالثا: والأصل أن يكون المال في الدعاية إلى الإسلام ولو على حساب الدعاة. وفي كسب القلوب النافرة ورد النفوس الجامحة.
رابعا: والصف المسلم القوي قد يحرم من هذا التوزيع كله. وذلك في ذات الله والأصل أن يكون الإيثار خلقه. فلا يقيم المرء من خلال ما يأخذ من راتب. بل تقييم من خلال التقوى والعمل الصالح.
خامسا: أن تبقى القيادة على صلة بقواعدها فتلاحق الشبهات التي تثور في نفوسها، وتوضح خط السير العام لجنودها، وتقضي على قالة السوء في صفوفها. وإلا خسرت هذه القاعدة.
سادسا: وأن يضع الجندي نفسه موضع قائده، ويصدر أحكامه على قيادته هو أمر خطير وذلك من خلال التمسك بحرفية النص الذي يقوده إلى الخروج من الإسلام من حيث يريد الإسلام، والذي يقوده إلى الصف غير المسلم من حيث حرصه عليه.
سابعا: وطبيعة هؤلاء الشباب من حيث صلاحهم وتقواهم لا يرقى إليها الشك،